مجموعة النبراس الثقافية

عدد الزيارات : 762قالوا في العراق / بقلم : جسام السعيدي


قالوا في العراق

جسام محمد السعيدي

بسبب حالة الانكسار التي تعود العراقيون عليها، فإنهم كثيراً ما تقبلوا الاساءة الى انفسهم عبر الاساءة الى وطنهم وتاريخهم. على هذا الاساس فأنهم تعودوا سماع المقولات التراثية المسيئة لهم ، منها مقولة الحجاج الشهيرة وغيره بخصوص النفاق والمنسوبة زورا لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام ، ومقولة الدكتور علي الوردي حول الازدواجية ، وغيرها من التشويهات الظالمة من الكتاب والنقاد ، ويتم بقصد او بدونه تناسي الجوانب المضيئة من شخصيتـنا وتراثنا وأمجادنا ، وخاصة تلك المقولات الايجابية التي تمدح العراق وتشيد بخصال أهله .

وقد تطرقنا في منشورات سابقة الى أقوال المعصومين عليهم السلام التي لا تقبل اللبس والتزوير ونطرح اليوم أقوال غيرهم ، منها مثلاً :

المقولة المنسوبة لأحد الحكماء يصف فيها للخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، العراق وأهله (مروج الذهب للمسعودي/ج 1/ص 63 ) :

((أما العراق فمنارة الشرق ، وسرة الأرض وقلبها ، إليه تحادرت المياه ، وبه اتصلت النضارة ، وعنده وقف حد الإعتدال ، فصفت أمزجة أهله ، ولطفت أذهانهم ، واحتدت خواطرهم ، واتصلت مسراتهم ، فظهر منهم الدهاء ، وقويت عقولهم ، وثبتت بصائرهم ، وقلب الأرض العراق ، وهو المجتبى من قديم الزمان ، وهو مفتاح الشرق ، ومسلك النور ، ومسرح العين ، ومدنه المدائن وما والاها ، ولأهله أعدل الألوان ، وأنقى الروائح ، وأفضل الأمزجة ، وأطوع القرائح ، وفيهم جوامع الفضائل ، وفوائد المبرات ، وفضائله كثيرة لصفاء جوهره ، وطيب نسيمه ، واعتدال تربته ، وإغداق الماء عليه ، ورفاهية العيش به )).

وأيضا ننقل قول الجاحظ : (( العلة في عصيان أهل العراق على الأمراء، وطاعة أهل الشام، أن أهل العراق أهل نظر وذوو فطن ثاقبة. ومع الفطنة والنظر يكون التنقيب والبحث. ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح، والترجيح بين الرجال، والتمييز بين الرؤساء، وإظهار عيوب الأمراء)).

ويقول احد الباحثين المعاصرين:

ان رأي الجاحظ هذا يكاد يشبه ما دعاه الدكتور علي الوردي بشيوع ` النزعة الجدلية` التي يتصف بها اهل العراق، التي تجعل شعبا من الشعوب فطنا متيقضا متفتح الذهن من ناحية، وكثير الشغب والانتقاد تجاه حكامه من ناحية اخرى. فأهل العراق هم على النقيض من غيرهم الذين اعتادوا ان يكونوا طائعين ومنصاعين يصدقون ما يقوله لهم حكامهم ويأتمرون بأمرهم. فهم يجادلون في كل قضية ويتنازعون حولها. وهم ضعفاء من الناحية السياسية واقوياء من الناحية الفكرية، ولذلك فان الفرد العراقي بحسب الوردي، يرتفع بافكاره الى مستوى اعلى من مستوى بيئته الاجتماعية، ولكنه لا يستطيع ان يكون طيعا يصدق كل ما يقال له، ولذلك نراه يعاند ويجادل. ويحلل الوردي هذه الخاصية فيقول `ومن طبيعة الجدل انه يثير في الناس التساؤل والتطلع ولكنه يضعف فيهم الركود الفكري .

وقول عز الدين بن أبي الحديد : ((وأهل هذا الإقليم أهل بصر وتدقيق ونظر، وبحث عن الآراء والعقائد، وشبه معترضة في المذاهب. وقد كان منهم في أيام الأكاسرة مثل ماني وديصان ومزدك وغيرهم)) (ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة) .

يقول ابن الاثير في تأريخه : (( فلما مرض معاوية الذي مات فيه ، دعا ابنه يزيد فقال : انظر أهل العراق، فان سألوك ان تعزل عنهم كل يوم عاملا فأفعل، فان عزل عامل أيسر من ان تشهر عليك مائة الف سيف!.

وهذا يكشف بحسب نظرنا الى ان اهل العراق لم يكونوا من النوع الذي يهادن الحاكم ولا يرضى على غصة ظالم ، بحيث ان معاوية كان يتجنب ثورتهم على ابنه بحثه على ما ذكر ..

ونختم حديثنا بقصة ظريفة نقلها الدكتور الوردي عن كتب التأريخ تظهر عظمة الشخصية العراقية .

إذ يقال ان الاسكندر المقدوني كتب الى استاذه ارسطو ، الفيلسوف الاغريقي المعروف ، بعد فتحه العراق عام 331 قبل الميلاد ما يلي :

لقد اعياني اهل العراق ، ما اجريت عليهم حيلة الا وجدتهم قد سبقوني الى التخلص منها ، فلا استطيع الايقاع بهم ، ولا حيلة لي معهم الا ان اقتلهم عن آخرهم !!! .

والظاهر ان الاسكندر المقدوني اراد حلاً من استاذه أرسطو الفيلسوف الشهير.. ويُقال انه اجاب الاسكندر بما يلي:

لا خير لك من ان تقتلهم ، ولو افنيتهم جميعا ، فهل تقدر على الهواء الذي غذى طباعهم وخصهم بهذا الذكاء؟ ، فان ماتوا ظهر في موضعهم من يشاكلهم ، فكأنك لم تصنع شيئا!!!.

وعلى اية حال ، فاذا كانت هذه القصة صحيحة او مختلقة ، فانها تلتقي مع ما ذكره الجاحظ في وصف اهل العراق بأنهم اهل نظر وفطنة وذكاء تدفع الى الجدل والنقد واظهار العيوب مع قلة الطاعة للحكام والمعصية عليهم .

 
  12 / ذو القعدة / 1445  |  2024 / 05 / 21        الزيارات : 4540919        صلاة الصبح |        صلاة الظهر والعصر |        صلاة المغرب والعشاء |