مجموعة النبراس الثقافية

عدد الزيارات : 653جانب من التربية الإجتماعية للإمام الصادق (ع) / بقلم : ياسر الحكيم


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

مقدِّمة

إنَّ المتأمِّل في حياة أهل البيت (عليهم السلام) يقف مبهوراً حائراً؛ لأنه يجد أنَّهم مرُّوا بظروف عصيبة وتحمَّلوا مشاقَّ لا نعرف لها مثيلاً، وهم أحد الثِّقلين اللَّذين أوصى بهما رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، ولكنَّهم (عليهم السلام) -مع كلِّ ما لاقوه- أدَّوا دورهم على أكمل وأتمِّ وجه وإن تعدَّدت المواقف التي اتَّخذوها بين مبايعٍ على إكراه، ومدافعةٍ عن إمام زمانها خطيبةً تارةً وغاضبةً على من غصب حقَّ بعلها حتَّى لاقت ربَّها تارة أخرى، ومُصَالِحٍ لطاغية زمانه، وثائرٍ بوجه الحاكم الظَّالم، ومتضرِّعٍ لله مُربٍّ شيعتَه بأدعيته مذكِّراً إيَّاهم بما جرى على أبيه حتَّى صار أحد البكَّائين، ومُتصدِّرَينِ للتَّدريس، وصابرٍ محتسبٍ في السِّجن، ومتولٍّ لولاية عهدِ ظالمٍ قام بإرساء معالم التَّوحيد والإمامة، ومُهَيِّئِينَ شيعتَهم إلى تلقِّي نبأ غيبة الثَّاني عشر منهم (سلام الله عليهم أجمعين).

ومن المراحل المهمة -وكلُّها مهمَّة- مرحلة إمامة الإمام أبي عبد الله الصَّادق (عليه السَّلام) الَّذي كان يحظى بنحوٍ من الحريَّة أكبر ممَّا حظي به من سبقه ومن لحقه نتيجة انهيار الدولة الأمويِّة وانشغال العبَّاسيِّين ببناء دولتهم، وكان له (عليه السَّلام) عدَّة مشاريع أتمَّها على أكمل وجه، ولا يسعني أن أخوض فيها كلِّها كما لا يسعني تركها كلِّها؛ إذ ما لا يُدرك كلُّه لا يُترك جُلُّه، فسأحاول أن ألقي الضَّوء على موقف منه (عليه السَّلام) قد يبدو غريباً لأوَّل وهلة، وهو حثُّه (عليه السَّلام) شيعتَه على التَّواصل مع مخالفيهم وعدم مقاطعتهم مع أنَّه في بادئ الأمر يُفترض أن يحثَّهم على مقاطعتهم؛ لأنَّ الشِّيعة كانوا أقليَّة، ومن طبع الأقليَّة الانزواء عن الأكثريَّة وعدم مخالطتها إلَّا بمقدار الضَّرورة؛ ليحافظوا على ما يعتقدون به في ظلِّ تسلُّط الأكثريَّة على الإعلام الَّذي يُوَجَّه عادة لخدمتهم والتَّرويج لمعتقداتهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنَّ الاحتكاك بين الأقليَّة والأكثريَّة قد يولِّد نقاشات في معتقدات كلٍّ منهما ممَّا يؤدِّي إلى التَّنافر بين الفئتين ومن ثَمَّ قد يؤول الأمر إلى أن يفتك القويُّ بالضَّعيف فيقوم بقتلهم وتشريدهم ممَّا يؤدِّي إلى انقراض الأقليَّة شيئاً فشيئاً.

ولنأخذ إحدى الرِّوايات الواردة عنه (عليه السَّلام) في هذا المجال، فقد روى الشَّيخ الكلنيُّ (رحمه الله) بسنده عن معاويةَ بنِ وهبٍ قَالَ: قُلْتُ: لَه كَيْفَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَصْنَعَ فِيمَا بَيْنَنَا وبَيْنَ قَوْمِنَا وبَيْنَ خُلَطَائِنَا مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ لَيْسُوا عَلَى أَمْرِنَا؟ قَالَ: تَنْظُرُونَ إِلَى أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تَقْتَدُونَ بِهِمْ فَتَصْنَعُونَ مَا يَصْنَعُونَ، فَوَاللهِ إِنَّهُمْ لَيَعُودُونَ مَرْضَاهُمْ ويَشْهَدُونَ جَنَائِزَهُمْ ويُقِيمُونَ الشَّهَادَةَ لَهُمْ وعَلَيْهِمْ ويُؤَدُّونَ الأَمَانَةَ إِلَيْهِمْ([1]).

وهنا نواجه عدة أسئلة ستكون محورَ البحوث الآتية:

  1. أليس في الحثِّ على مخالطتهم تعريضٌ للشِّيعة لخطر الانحراف؛ إذ الأمر المختَلَف فيه ليس قضيةً بسيطةً لا يترتب عليها أيُّ ثمرة، بل هو أمر أساسيٌّ من صميم العقيدة وإذا تزعزع قد يؤدِّي إلى دخول النَّار -أعاذنا الله منها-؟
  2. أليس في الحثِّ على مخالطتهم تغريرٌ بحياة الشِّيعة إذا ما صار خلاف حادٌّ في مسائل العقيدة؛ لأنَّهم ليسوا ذوي السُّلطَة والقوَّة؟
  3. ما الطُّرق الَّتي اتَّبعها الإمام (عليه السَّلام) للحدِّ من هذين الخطرين؟
  4. ما الثَّمرة المترتِّبة على التَّواصل معهم؟

ولا أدَّعي أنِّي سأحيط بكلِّ جوانب الموضوع، فحياة الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) ومواقفه أكبر من أن يُحاط بها لا سيَّما مع الفاصل الزَّمنيِّ الكبير بيننا ومع ضياع كثير من الوقائع التَّاريخيَّة.

معالجة الإمام (عليه السَّلام) لخطر الانحراف:

لا شكَّ في أنَّ الإمامة هي أغلى ما عند الشِّيعيِّ؛ لأنَّه بها يَدخل الجنَّةَ وبها يُقبل عمله وهي ما يميز الشِّيعيَّ عن غيره، وقد عانى أهل البيت (عليهم السَّلام) في تثبيت هذا المعتقد أشدَّ معاناة، وهل هناك أشدُّ من يوم الدَّار؟!

ولا يخفى هذا كلُّه عن الإمام (عليه السَّلام) لكنَّه لم ينظر إلى المشكلة وحدها، بل نظر إلى أسبابها ومناشئها فعرف كيف يمنع من حصولها، فاتَّبع عدَّة خطوات:

أ: الحثُّ على طلب العلم:

إنَّما يترك الإنسان معتقدَه إذا لم يكن جازماً بصحَّته كأن يكون قد أخذه وراثة عن الآباء، فما كان من الإمام (عليه السَّلام) إلَّا أن يبدأ بحثِّ أصحابه على طلب العلم صيانةً لهم عن الانحراف وتثبيتاً لهم على ما هم عليه، وحثَّهم على التَّعلُّم أشدَّ حثٍّ، ولنستعرض جملة مما ورد عنه (عليه السَّلام) في الحثِّ على طلب العلم:

  1. روى الشَّيخ الكلينيُّ (رحمه الله) بسنده عنِ القَدَّاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ فِيه عِلْماً سَلَكَ اللهُ بِه طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ، وإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِه، وإِنَّه يَسْتَغْفِرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ مَنْ فِي السَّمَاءِ ومَنْ فِي الأَرْضِ حَتَّى الْحُوتُ فِي الْبَحْرِ، وفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ النُّجُومِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً ولَا دِرْهَماً ولَكِنْ وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ مِنْه أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ([2]).
  2. روى الشَّيخ الكلينيُّ (رحمه الله) بسنده عن حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْراً فَقَّهَه فِي الدِّينِ([3]).
  3. روى الشَّيخ الكلينيُّ (رحمه الله) بسنده عن مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالتَّفَقُّه فِي دِينِ اللهِ ولَا تَكُونُوا أَعْرَاباً، فَإِنَّه مَنْ لَمْ يَتَفَقَّه فِي دِينِ اللهِ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْه يَوْمَ الْقِيَامَةِ ولَمْ يُزَكِّ لَه عَمَلًا([4]).
  4. روى الشَّيخ الكلينيُّ (رحمه الله) بسنده عن بَشِيرٍ الدَّهَّانِ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَتَفَقَّه مِنْ أَصْحَابِنَا، يَا بَشِيرُ إِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ إِذَا لَمْ يَسْتَغْنِ بِفِقْهِه احْتَاجَ إِلَيْهِمْ [يعني المخالفين]، فَإِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِمْ أَدْخَلُوه فِي بَابِ ضَلَالَتِهِمْ وهُوَ لَا يَعْلَمُ([5]).

نلاحظ أنَّه (عليه السَّلام) رغَّبهم في طلب العلم ورهَّبهم في تركه، فتارة وعدهم بالثَّواب الجزيل من الله تعالى على طلب العلم كما في الرِّوايتين الأوليين، وتارة حذَّرهم من عاقبة عدم التَّعلُّم بذكر ما يؤول إليه الجاهل في الدَّارين، فهو لا يُزكَّى له عمل في الآخرة وسيحتاج في الدُّنيا إلى الأخذ عن غيرهم (عليه السَّلام) فيَضِلُّ من حيث يشعر أو لا يشعر.

ب: مباشرته تعليمَ أصحابه:

وبعد أن رغَّبهم (عليه السَّلام) في طلب العلم علَّمهم بنفسه شتَّى أنواع الفنون، فأعدَّ جيلاً من العلماء في مختلف المجالات العلميَّة، ولا يسع المقام أن أستعرض ما ورد عنه لكنِّي سأكتفي بما قاله الشَّيخ المفيد (رحمه الله) متحدِّثاً عنه (عليه السَّلام): وبرز على جماعتهم بالفضل، وكان أنبههم ذكراً وأعظمهم قدراً وأجلَّهم في العامَّة والخاصَّة، ونقل النَّاس عنه من العلوم ما سارت به الرُّكبان وانتشر ذكره في البلدان، ولم يُنقل عن أحد من أهل بيته العلماءِ ما نُقل عنه، ولا لقي أحد منهم من أهل الآثار ونقلة الأخبار ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد الله (عليه السَّلام)، فإنَّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرُّواة عنه من الثِّقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف رجل([6]).

وهذه المقولة الصَّادرة من هذا العَلَم المتتبِّع المتثبِّت أكثر من كافية في إثبات المراد.

جـ: الحثُّ على مجالسة العلماء:

وبعد أن تكفَّل (عليه السَّلام) بنفسه مهمَّة إعداد جيل من العلماء أخذ يحثُّ أصحابه على الاستفادة منهم والرُّجوع إليهم فيما يعرض لهم من أمر دينهم، وهذا أمر مهمٌّ؛ لسببين: أحدهما: تجاوز مشكلة المسافة الشَّاسعة الَّتي كانت تفصل بعض الشِّيعة عن محلِّ إقامة إمامهم (عليه السَّلام) الَّتي تجعل شدَّ الرِّحال إليه (عليه السَّلام) غير متيسِّرٍ لكثير منهم إمَّا لضعف في أبدانهم أو لقلَّة ذات اليد أو لمشقَّة السفر وخطورته؛ لوجود السُّراق وقطَّاع الطَّريق أو لغيرها من الأسباب. والثَّاني: التَّخفيف عنه (عليه السَّلام) عندما يكون مضطرّاً للاتِّقاء من الحاكم وعدم الإجابة لا سيَّما إذا كان السُّؤال عن الأمور الخلافيَّة بين الشِّيعة والطَّبقة الحاكمة.

وجدير بالذِّكر أنَّ ما جاء عنه (عليه السَّلام) في الحثِّ على الرُّجوع إلى العلماء كان على نحوين: الأولُّ: الإرجاع إلى عناوين عامَّة كما روى الشَّيخ الكلينيُّ (رحمه الله) بسنده عن مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه): مُجَالَسَةُ أَهْلِ الدِّينِ شَرَفُ الدُّنْيَا والآخِرَةِ([7]).

والثاني: الإرجاع إلى أشخاص محدَّدين، وهو ما يُعبَّر عنه بالرِّوايات الإرجاعيَّة، ولنذكر بعضها:

  1. روي عن عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: قُلْتُ لَأَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): إِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ سَاعَةٍ أَلْقَاكَ وَلَا يُمْكِنُ القدومُ، وَيَجِيئُ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِنَا فَيَسْأَلُنِي وَلَيْسَ عِنْدِي كُلُّ مَا يَسْأَلُنِي عَنْهُ، فَقَالَ: مَا يَمْنَعُكَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمٍ الثَّقَفِيِّ؟ فَإِنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي وَكَانَ عِنْدَهُ وَجِيْهاً([8]).
  2. روي عن يُونُسَ بنِ يَعْقُوبَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فقالَ: أَمَا لَكُمْ مِنْ مَفْزَعٍ؟! أَمَا لَكُمْ مِنْ مُسْتَرَاحٍ تَسْتَرِيحُونَ إِلَيْهِ؟! مَا يَمْنَعُكُمْ مِنَ الحَارِثِ بْنِ المغِيْرَةِ النَّصْرِيِّ؟([9])

د: التَّركيز على تقوية الجانب العَقَدَيِّ:

اهتمَّ (عليه السَّلام) بتقوية عقائد عامَّة النَّاس من أتباعه ومواليه إضافةً إلى اهتمامه بتربية جيل من العلماء الصَّالحين، وكان ذلك في وقت حسَّاس ومرحلة حرجة في تاريخ المسلمين؛ إذ انتشرت حركة الزَّندقة والتَّشكيك أيَّما انتشار، وقد ورد عنه (عليه السَّلام) روايات كثيرة في هذا المجال تفوق الحصر في مثل هذا المقال، ومع هذا فلا بأس في ذكر إحدى الرِّوايات الواردة عنه في مسألة كانت مثار جدل واسع بين المسلمين، روى الشَّيخ الكلينيُّ (رحمه الله) بسنده عن مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَمَّنْ حَدَّثَه عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: لَا جَبْرَ ولَا تَفْوِيضَ ولَكِنْ أَمْرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ([10]). وهناك روايات أُخر أعرض عن ذكرها؛ لطولها ولأنَّ بعضها يحتاج إلى شرح فلتُراجع في مظانِّها([11]).

هـ: بناء شخصيَّة الشِّيعيِّ:

وبعد الانتهاء من المراحل المتقدمَّة بدأ الإمام (عليه السَّلام) بإعطاء الشِّيعيِّ ثقةً كبيرةً بنفسه ممَّا يجعله قويَّ الشَّخصيَّة راسخ الإيمان ثابت العقيدة مهما ساءت الظُّروف وتبدَّلت الأحوال، وذلك بالتَّأكيد على أهميَّة الولاية والثَّبات عليها وما يؤول إليه من آثار أخرويَّة مُهمَّة.

وسأذكر جزءاً يسيراً من رواية واحدة تعرَّض فيها إمامنا (عليه السَّلام) إلى ذكر كرامات الشِّيعة، روى الشيخ الكليني (رحمه الله) بسنده عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) أنَّه قال مخاطباً أبا بصير: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُكْرِمُ الشَّبَابَ مِنْكُمْ ويَسْتَحْيِي مِنَ الْكُهُولِ؟ قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَكَيْفَ يُكْرِمُ الشَّبَابَ ويَسْتَحْيِي مِنَ الْكُهُولِ؟ فَقَالَ: يُكْرِمُ اللهُ الشَّبَابَ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ ويَسْتَحْيِي مِنَ الْكُهُولِ أَنْ يُحَاسِبَهُمْ، قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا لَنَا خَاصَّةً أَمْ لأَهْلِ التَّوْحِيدِ؟ قَالَ: فَقَالَ: لَا -واللَّه- إِلَّا لَكُمْ خَاصَّةً دُونَ الْعَالَمِ...[إلى أن قال في التَّخفيف عن الشِّيعة لتسميتهم بالرَّافضة:] يَا أَبَا مُحَمَّدٍ رَفَضُوا الْخَيْرَ ورَفَضْتُمُ الشَّرَّ، افْتَرَقَ النَّاسُ كُلَّ فِرْقَةٍ وتَشَعَّبُوا كُلَّ شُعْبَةٍ فَانْشَعَبْتُمْ مَعَ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه) وذَهَبْتُمْ حَيْثُ ذَهَبُوا واخْتَرْتُمْ مَنِ اخْتَارَ اللهُ لَكُمْ وأَرَدْتُمْ مَنْ أَرَادَ اللهُ، فَأَبْشِرُوا ثُمَّ أَبْشِرُوا فَأَنْتُمْ واللهِ الْمَرْحُومُونَ الْمُتَقَبَّلُ مِنْ مُحْسِنِكُمْ والْمُتَجَاوَزُ عَنْ مُسِيئِكُمْ، مَنْ لَمْ يَأْتِ اللهَ عَزَّ وجَلَّ بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْه يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْه حَسَنَةٌ ولَمْ يُتَجَاوَزْ لَه عَنْ سَيِّئَةٍ...إلى آخر الرِّواية([12]).

معالجة الإمام (عليه السَّلام) لمشكلة الاصطدام بين الشِّيعة ومخالفيهم:

بعد أن دفع الإمام (عليه السَّلام) خطر الانحراف عالج مسألة اصطدام الأقليَّة بالأكثريَّة وما تُسبِّبه من مشاكل تقدَّمت الإشارة إلى بعضها، فبدأ يحثُّهم على مشروع التَّعايش السِّلميِّ بين المسلمين وذلك باتّباع أمور:

أ: الاعتراف بالطَّرف الآخر:

بدأ الإمام (عليه السَّلام) قبل كلِّ شيء بتعريف سائر فرق المسلمين بموقف مدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام) منهم، وذلك بالتَّأكيد على حرمة دمائهم وأموالهم وأعراضهم والاعتراف بهم على أنَّهم مسلمون لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، فيُتعامل معهم بالبيع والشِّراء والإجارة ويُتَزَوَّجُ منهم إلى غير ذلك، ومما ورد في هذا الشَّأن:

ما رواه الشَّيخ الكلينيُّ (رحمه الله) بسنده عن سَمَاعَةَ قَالَ: قُلْتُ: لأَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلَامِ والإِيمَانِ أهُمَا مُخْتَلِفَانِ؟ فَقَالَ: إِنَّ الإِيمَانَ يُشَارِكُ الإِسْلَامَ والإِسْلَامَ لَا يُشَارِكُ الإِيمَانَ، فَقُلْتُ: فَصِفْهُمَا لِي، فَقَالَ: الإِسْلَامُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللهُ والتَّصْدِيقُ بِرَسُولِ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، بِه حُقِنَتِ الدِّمَاءُ وعَلَيْه جَرَتِ الْمَنَاكِحُ والْمَوَارِيثُ وعَلَى ظَاهِرِه جَمَاعَةُ النَّاسِ([13]).

ب: التَّقيَّة والكتمان:

ثمَّ أمرهم (عليه السَّلام) بمراعاة أمرين اثنين: التَّقيَّة والكتمان؛ ليتجنب الشِّيعةُ الاصطدام مع مخالفيهم، فأمرهم بتحديثهم ما يعرفونه ولا ينكرونه ولا ينفرون منه، وإليك بعض الأمثلة:

  1. روى الشَّيخ الكلينيُّ (رحمه الله) بسنده عن عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَقُولُ: إِنَّه لَيْسَ مِنِ احْتِمَالِ أَمْرِنَا التَّصْدِيقُ لَه والْقَبُولُ فَقَطْ، مِنِ احْتِمَالِ أَمْرِنَا سَتْرُه وصِيَانَتُه مِنْ غَيْرِ أَهْلِه، فَأَقْرِئْهُمُ السَّلَامَ وقُلْ لَهُمْ: رَحِمَ اللهُ عَبْداً اجْتَرَّ مَوَدَّةَ النَّاسِ إِلَى نَفْسِه، حَدِّثُوهُمْ بِمَا يَعْرِفُونَ واسْتُرُوا عَنْهُمْ مَا يُنْكِرُونَ، ثُمَّ قَالَ: واللهِ مَا النَّاصِبُ لَنَا حَرْباً بِأَشَدَّ عَلَيْنَا مَؤُونَةً مِنَ النَّاطِقِ عَلَيْنَا بِمَا نَكْرَه، فَإِذَا عَرَفْتُمْ مِنْ عَبْدٍ إِذَاعَةً فَامْشُوا إِلَيْه ورُدُّوه عَنْهَا فَإِنْ قَبِلَ مِنْكُمْ وإِلَّا فَتَحَمَّلُوا عَلَيْه بِمَنْ يَثْقُلُ عَلَيْه ويَسْمَعُ مِنْه، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ يَطْلُبُ الْحَاجَةَ فَيَلْطُفُ فِيهَا حَتَّى تُقْضَى لَه فَالْطُفُوا فِي حَاجَتِي كَمَا تَلْطُفُونَ فِي حَوَائِجِكُمْ، فَإِنْ هُوَ قَبِلَ مِنْكُمْ وإِلَّا فَادْفِنُوا كَلَامَه تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ ولَا تَقُولُوا: إِنَّه يَقُولُ ويَقُولُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَيَّ وعَلَيْكُمْ. أَمَا واللهِ لَوْ كُنْتُمْ تَقُولُونَ مَا أَقُولُ لأَقْرَرْتُ أَنَّكُمْ أَصْحَابِي، هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ لَه أَصْحَابٌ وهَذَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَه أَصْحَابٌ وأَنَا امْرُؤٌ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ وَلَدَنِي رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ) وعَلِمْتُ كِتَابَ اللهِ وفِيه تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ: بَدْءِ الْخَلْقِ، وأَمْرِ السَّمَاءِ، وأَمْرِ الأَرْضِ، وأَمْرِ الأَوَّلِينَ، وأَمْرِ الآخِرِينَ، وأَمْرِ مَا كَانَ، وأَمْرِ مَا يَكُونُ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى ذَلِكَ نُصْبَ عَيْنِي([14]).
  2. روى الشَّيخ الكلينيُّ (رحمه الله) بسنده عن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَقُولُ: التَّقِيَّةُ تُرْسُ الْمُؤْمِنِ، والتَّقِيَّةُ حِرْزُ الْمُؤْمِنِ، ولَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا تَقِيَّةَ لَه، إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقَعُ إِلَيْه الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِنَا فَيَدِينُ الله عَزَّ وجَلَّ بِه فِيمَا بَيْنَه وبَيْنَه فَيَكُونُ لَه عِزّاً فِي الدُّنْيَا ونُوراً فِي الآخِرَةِ، وإِنَّ الْعَبْدَ لَيَقَعُ إِلَيْه الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِنَا فَيُذِيعُه فَيَكُونُ لَه ذُلاًّ فِي الدُّنْيَا ويَنْزِعُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ ذَلِكَ النُّورَ مِنْه([15]).
  3. وروى الشَّيخ الكلينيُّ (رحمه الله) بسنده عن سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): يَا سُلَيْمَانُ إِنَّكُمْ عَلَى دِينٍ مَنْ كَتَمَه أَعَزَّه اللهُ ومَنْ أَذَاعَه أَذَلَّه اللهُ([16]).
  4. وروى الشَّيخ الكلينيُّ (رحمه الله) بسنده عن حَرِيزٍ عَمَّنْ أَخْبَرَه عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ : {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ}، قَالَ: الْحَسَنَةُ التَّقِيَّةُ والسَّيِّئَةُ الإِذَاعَةُ. وقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ}، قَالَ: الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ التَّقِيَّةُ {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَه عَداوَةٌ كَأَنَّه وَلِيٌّ حَمِيمٌ}([17]).

نلاحظ بوضوح أنَّ الرِّوايات الشَّريفة نهت عن إذاعة خبرهم (عليهم السَّلام) وحثَّت الشِّيعةَ على التَّقيَّة وكتمان الأمر وتحديث النَّاس بما لا يجعلهم ينفرون من الشِّيعة ومن أئمتهم بسبب عقيدتهم.

ثمرة التَّواصل مع أهل الخلاف:

هناك عدَّة ثمرات في التَّواصل مع باقي المسلمين، ولعلَّ أهمَّها أمران:

أ: هداية النَّاس:

دعوة النَّاس إلى المذهب الحقِّ وإنقاذهم من الضَّلالة هو الغاية من بعثة الأنبياء والرُّسل، وقد ورد عن أَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): لَمَّا وَجَّهَنِي رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه) إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: يَا عَلِيُّ لَا تُقَاتِلْ أَحَداً حَتَّى تَدْعُوَه إِلَى الإِسْلَامِ، وايْمُ اللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْه الشَّمْسُ وغَرَبَتْ ولَكَ وَلَاؤُه([18])، فلا غرابة في أن يريد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) أن يشارك شيعتُه في عمليَّة هداية النَّاس ويحصلوا على الثَّواب، وفي هذا المعنى روايات عديدة أذكر منها:

  1. روى الشَّيخ الكلينيُّ (رحمه الله) بسنده عن أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَقُولُ: عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ وَالْوَرَعِ والِاجْتِهَادِ وصِدْقِ الْحَدِيثِ وأَدَاءِ الأَمَانَةِ وحُسْنِ الْخُلُقِ وحُسْنِ الْجِوَارِ، وكُونُوا دُعَاةً إِلَى أَنْفُسِكُمْ بِغَيْرِ أَلْسِنَتِكُمْ، وكُونُوا زَيْناً ولَا تَكُونُوا شَيْناً([19]).
  2. روى القاضي النُّعمان (رحمه الله) عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) أنَّه قال في وصيَّته لبعض شيعته: أُوْصِيْكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيْهِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ لِمَنِ ائْتَمَنَكُمْ وَحُسْنِ الصَّحَابَةِ لِمَنْ صَحِبْتُمُوْهُ وَأَنْ تَكُوْنُوا لَنَا دُعَاةً صَامِتِيْنَ. فَقَالُوا: يَا بْنَ رَسُوْلِ اللهِ وَكَيْفَ نَدْعُوا إِلَيْكُمْ وَنَحْنُ صُمُوتٌ؟! قَالَ: تُعَلِّمُونَ مَا أَمَرْنَاكُمْ بِهِ مِنَ الْعَمَلِ بِطَاعَةِ اللهِ وَتَتَنَاهَوْنَ عَمَّا نَهَيْنَاكُمْ عَنْهُ مِنَ ارْتِكَابِ مَحَارِمِ اللهِ وَتُعَامِلُوْنَ النَّاسَ بِالصِّدْقِ وَالْعَدْلِ وَتُؤَدُّوْنَ الأَمَانَةَ وَتَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَلَا يَطَّلِعِ النَّاسُ مِنْكُمْ إِلَّا عَلَى خَيْرٍ([20]).
  3. روى الشَّيخ الكلينيُّ (رحمه الله) بسنده عن أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَقُولُ: رَحِمَ اللهُ عَبْداً حَبَّبَنَا إِلَى النَّاسِ ولَمْ يُبَغِّضْنَا إِلَيْهِمْ، أَمَا واللهِ لَوْ يَرْوُونَ مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَكَانُوا بِه أَعَزَّ ومَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَلَّقَ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ، ولَكِنَّ أَحَدَهُمْ يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَيَحُطُّ إِلَيْهَا عَشْراً([21]).
  4. وروى الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) بسنده عن عَبْدِ السَّلَامِ بنِ صَالِحٍ الهَرَوِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيِ بنِ مُوْسَى الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَقُوْلُ: رَحِمَ اللهُ عَبْداً أَحْيَا أَمْرَنَا، فَقُلْتُ لَهُ: وَكَيْفَ يُحْيَى أَمْرُكُمْ؟ قَالَ: يَتَعَلَّمُ عُلُوْمَنَا وَيُعَلِّمُهَا النَّاسَ، فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوْا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لاتَّبَعُونَا ([22]).

ب: رحم الله جعفراً:

والثَّمرة الثَّانية هي تعريف النَّاس بهم (عليهم السَّلام) وذلك عندما يختلط الشِّيعة بغيرهم ويكونون كما ربَّاهم متحلِّين بمكارم الأخلاق مع مخالفيهم وفيما بين أنفسهم، وتجسَّد هذا المعنى فيما ورد عنهم (عليهم السَّلام):

  1. روى الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) أنَّ الإمام الصَّادقَ (عليه السَّلام) قال لزَيدٍ الشَّحامِ: يَا زَيدُ خَالِقُوا النَّاسَ بَأَخلَاقِهِم، صَلُّوا في مَسَاجِدِهِم وَعُودُوا مَرضَاهُم وَاشْهَدُوا جَنَائِزَهَم، وَإِن اسْتَطَعْتُم أَن تَكُونُوا الأَئِمَّةَ وَالمُؤَذِّنِينَ فَافعَلُوا، فَإِنَّكُم إِذَا فَعَلْتُم ذَلِكَ قَالُوا: هؤُلَاءِ الجَعْفَرِيَّةُ، رَحِمَ اللهُ جَعفَراً مَا كَانَ أَحْسَنَ مَا يُؤَدِّبُ أَصْحَابَهُ، وَإِذَا تَرَكْتُمْ ذَلِكَ قَالُوا: هؤُلَاءِ الجَعْفَرِيَّةُ، فَعَلَ اللهُ بِجَعْفَرٍ مَا كَانَ أَسْوَءَ مَا يُؤَدِّبُ أَصْحَابَهُ([23]).
  2. روى الشيخ الكليني (رحمه الله) بسنده عن أَبِي أُسَامَةَ زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ الله (عَلَيْهِ السَّلَامُ) اقْرَأْ عَلَى مَنْ تَرَى أَنَّه يُطِيعُنِي مِنْهُمْ ويَأْخُذُ بِقَوْلِيَ السَّلَامَ، وأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ والْوَرَعِ فِي دِينِكُمْ والِاجْتِهَادِ للهِ وصِدْقِ الْحَدِيثِ وأَدَاءِ الأَمَانَةِ وطُولِ السُّجُودِ وحُسْنِ الْجِوَارِ فَبِهَذَا جَاءَ مُحَمَّدٌ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه)، أَدُّوا الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكُمْ عَلَيْهَا بَرّاً أَوْ فَاجِراً فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه) كَانَ يَأْمُرُ بِأَدَاءِ الْخَيْطِ والْمِخْيَطِ، صِلُوا عَشَائِرَكُمْ واشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ وعُودُوا مَرْضَاهُمْ وأَدُّوا حُقُوقَهُمْ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا وَرِعَ فِي دِينِه وصَدَقَ الْحَدِيثَ وأَدَّى الأَمَانَةَ وحَسُنَ خُلُقُه مَعَ النَّاسِ قِيلَ: هَذَا جَعْفَرِيٌّ، فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ ويَدْخُلُ عَلَيَّ مِنْه السُّرُورُ وقِيلَ: هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ، وإِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيَّ بَلَاؤُه وعَارُه وقِيلَ: هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ. فَوَاللهِ لَحَدَّثَنِي أَبِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَكُونُ فِي الْقَبِيلَةِ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَيَكُونُ زَيْنَهَا آدَاهُمْ لِلأَمَانَةِ وأَقْضَاهُمْ لِلْحُقُوقِ وأَصْدَقَهُمْ لِلْحَدِيثِ إِلَيْه وَصَايَاهُمْ ووَدَائِعُهُمْ تَسْأَلُ الْعَشِيرَةُ عَنْه فَتَقُولُ: مَنْ مِثْلُ فُلَانٍ إِنَّه لآَدَانَا لِلأَمَانَةِ وأَصْدَقُنَا لِلْحَدِيثِ([24]).

كلمة أخيرة:

تبيَّن ممَّا تقدَّم أنَّ الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) لم يكن مُجازفاً عندما حثَّ أصحابه على الاختلاط بالمخالفين وفي نفس الوقت لم يكن همُّه أن يحصل التَّعايش السِّلميُّ والتَّآلف بين المسلمين ولو على حساب انهيار عقائد الشِّيعة أو انقراضهم ومحوهم من السَّاحة الإسلاميَّة، بل كان يركِّز على إذاعة المشتركات واللِّين في الحديث وكتم (لا ترك) ما يُنَفِّر النَّاس من مذهب أهل البيت (عليهم السَّلام)، وهذا إن دلَّ فهو يدلُّ على سعة أفق الإمام (عليه السَّلام)؛ إذ لولا هذا الحثُّ لما انتشر مذهب أهل البيت (عليهم السَّلام) هذا الانتشار.

بقلم: ياسر الحكيم

بتاريخ: 24 شوّال 1436 هـ

 

([1]) الكافي: ج: 2، ص: 636.

([2]) الكافي، ج: 1، ص: 34.

([3]) الكافي، ج: 1، ص: 32.

([4]) الكافي، ج: 1، ص: 31.

([5]) الكافي، ج: 1، ص: 33.

([6]) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج: 2، ص: 413.

([7]) الكافي، ج: 1، ص: 39.

([8]) وسائل الشيعة، ج: 27، ص: 144.

([9]) وسائل الشيعة، ج: 27، ص: 145.

([10]) الكافي، ج: 1، ص: 160.

([11]) راجع مثلاُ: باب الحجة من الكافي، وتوحيد الصدوق رحمه الله، والاحتجاج، وتوحيد المفضل، والإرشاد للشيخ المفيد رحمه الله.

([12]) الكافي، ج: 8، ص: 33 – 36.

([13]) الكافي، ج: 2، ص: 25.

([14]) الكافي، ج: 2، ص: 222 – 223.

([15]) الكافي، ج: 2، ص: 221.

([16]) الكافي، ج: 2، ص: 222.

([17]) الكافي، ج: 2، ص: 218.

([18]) الكافي، ج: 5، ص: 36.

([19]) الكافي، ج: 2، ص: 77.

([20]) دعائم الإسلام، ج: 1، ص: 56 – 57.

([21]) الكافي، ج: 8، ص: 229.

([22]) عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج: 1، ص: 275.

([23]) من لا يحضره الفقيه، ج: 1، ص: 383.

([24]) الكافي، ج: 2، ص: 636.

 
  8 / ذو القعدة / 1445  |  2024 / 05 / 17        الزيارات : 4535653        صلاة الصبح |        صلاة الظهر والعصر |        صلاة المغرب والعشاء |