مجموعة النبراس الثقافية

عدد الزيارات : 1117بهلول في سطور / بقلم : أبو سكينة الموسوي


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و ال محمد و على اعدائهم اللعن المؤبد
و بعد .. فإن من اعلام الشيعة البارزين ابو وهيب بهلول بن عمرو الصيرفي الكوفي الذي تميز عن غيره من اعلام زمانه بأنه جادَ بأعز ما اعطاه الله - و هو العقل - حيث تظاهر بالجنون اتباعا لما امره امامه من اجل حفظ نفسه و السعي في حوائج الناس و توعيتهم بالحكمة و  الموعظة الحسنة و قد ورد عنه الكثير من الاخبار و النوادر منها الصحيح و منها الموضوع عليه – غير الصحيح - و تتبين الموضوعات من وجود الكذب  فيها عليه فنميزها إما لمخالفة خلقه او  مخالفة الفترة الزمنية التي عاشها او أنها  وضعت للطرافة  و اضحاك الناس  كما وضع على ابو نؤاس الكم الهائل من الاشعار الخمريات و  كذلك على جلال الدين الرومي في اشعاره الصوفيات و كذلك على مجنون ليلى اشعار التوجد و المجون بالشكل المفرط الذي وصل اللينا و كذلك ما قيل عن جحا من الطرائف و النوادر  و  اشعب من نوادر  الطمع و ..و ..و . .  ؛ فهذه  الاخبار يؤلفها بعض الناس للدعابة و إضحاك الاخرين وقد  تكون نوايا سياسية خبيثة تريد  محو حقيقة تاريخية  او تشويه صفحة تأريخيه نظيفة لشخص معين و هذا كما بالنسبة لبهلول و غيره ممن سبقوه او لحقوه ؛ لذا فإن هناك اخبار تدل على عدم  صحتها لاتهامه بالسرقة  او الكذب او المجون و الغزل  أو انه لا دين له او انه سكن ردحا طويلا في بغداد او عشرته الطويلة و علاقته القوية مع العباسيين فهذه الاشياء بعضها غير وارد اصلا بل تتناقله الافواه و الكتب المتأخرة و بعضها يعلم عدم صحته لمخالفته للأخلاق الجعفرية التي تربى عليها البهلول لذا فإن الخبر السليم يعرف  لخلوه من الخنا .
اما ما يتعلق بسيرته فقد نقل القليل من ارباب التراجم عنه و من الكتب التي ذكر فيها  تاريخ كزيدة ( فارسي ) و مجالس المؤمنين ( فارسي )  و ريحانة الادب ( فارسي ) و بهجة الآمال و المستفاد من ذيل تاريخ بغداد و عقلاء المجانين و طبقات الشعراني و البيان و التبيين و نزهة الجليس  و كشكول البهائي و افضل من ترجمه المجتهد الاكبر السيد محسن الامين حيث كتب فيه ترجمةً جامعةً مانعةً في اعيان الشيعة و الزبدة النقية من تلك الكتب كلها  انه       
 
 
 
 (( كوفي من خاصة اصحاب الامام الصادق ( ع ) و ابنه الامام الكاظم ( ع ) و كان من الفقهاء و العلماء و كان الناس يعرفون فضله و علمه و كان يشار له بالبنان بأنه الاجدر على القضاء و حل مشاكل الناس و نزاعاتهم فقد(( روي أن الرشيد أراد ان يولي رجلا القضاء فشاور أصحابه فأشاروا ببهلول فاستدعاه وقال له  أعنا على عملنا هذا قال باي شيء أعينك قال بعمل القضاء قال أنا لا أصلح لذلك قال أطبق أهل بغداد أنك صالح له فقال سبحان الله أنا أعرف بنفسي منهم فان كنت في أخباري باني لا أصلح للقضاء صادقا فهو ما أقول وان كنت كاذبا فالكاذب لا يصلح لهذا العمل ، فألحوا عليه   وشددوا وقالوا لا ندعك أو تقبل قال إن كان ولا بد فأمهلوني الليلة   حتى أفكر في أمري ، فلما أصبح تجانن وركب قصبة ودخل السوق وكان يقول طرقوا خلوا الطريق لا يطأكم فرسي فقال الناس جن بهلول فقال هارون ما جن ولكن فر بدينه منا ، وبقي على ذلك إلى أن مات )) .
و ربما اثر هذا في علاقته مع البعض فقد ورد عن  عبد الله بن عبد الكريم (( كان لبهلول صديق قبل أن يجن فلما أصيب بعقله فارقه صديقه فبينما بهلول يمشي في بعض طرقات البصرة إذ رأى صديقه فلما رآه صديقه عدل عنه  فقال بهلول
ادن مني ولا تخافن غدري       ليس يخشى الخليل غدر الخليل
أ ربي الذي ينالك منــــــي         ســـــــتر ما يتقى وبث الجميل )) .
 
فلابد من ان الوضع الجديد لبهلول اورث الصدمة في قلوب بعض الناس مما غير سلبا عند البعض و لكن الذين يعرفوه حق المعرفة لم يتغير في اعينهم  فكانوا  يعرفون حكمته و يتقربون منه و يطلبون النصيحة و العضة  منه و يلاطفونه لأنه لم يتركهم بل بقي عونا لهم  فهناك شواهد كثيرة تدل على ذلك منها  ما(( قال الحسين الصقلي نظرت وقد زار سعدون بهلولا ورأيتهما فسمعت سعدون  يقول لبهلول أوصني وإلا أوصيك فناداه بهلول أوصني يا أخي فقال سعدون أوصيك بحفظ نفسك ومكنها من حبك فان هذه الدنيا ليست لك بدار ، قال بهلول انا أوصيك يا أخي فقال قل ، فقال اجعل جوارحك مطيتك واحمل عليها زاد معرفتك واسلك بها طريق مبغك فان ذكرتك ثقل الحمل فذكرها عاقبة البلوغ . فلم يزالا يبكيان جميعا حتى خشيت عليهما الفناء)) .   وكذلك(( عن عبد الرحمن الأسلمي قال قال أبي لبهلول اي شئ أولى بك ؟ قال العمل الصالح )).
و كان بهلول يستهوي قلوب الكثيرين بالشعر و الفكاهة فمثلا يقول محمد بن خالد الو اسطي أنشدني بهلول يقول
دع الحرص على الدنيا          وفي العيش فلا تطمع
ولا تجمع من المال               فما تدري لمن تجمع
فان الرزق مقسوم                 وسوء الظن لا ينفع
فقير كل ذي حرص                غني كل من يقنـــع
و كذلك ((وقيل له يوما وهو في البصرة عد لنا مجانين البلد فقال كيف وهم لا يحصون فان شئتم أعد لكم العقلاء )) و ((سئل بهلول عن رجل   مات وخلف اما وابنا وابنة وزوجة ولم يخلف مالا فقال لأمه الثكل و لابنه و ابنته اليتم وللزوجة خراب البيت وما بقي من الهم فللعصبة  )) . و كان من جملة نصائحه لبعض الناس حينما رآهم يتوجهون لأحد السفهاء في البصرة و طلبوا منه الذهاب إلا انه رفض و قال ((ويلكم مجادلة العاصي توجب زيادة جرأته على العصيان ويمكن أن توقع أصحاب البصيرة في الشبهة ولا شك في وجود الله تعالى ولا شبهة في الحق ولا  التباس فإذا كنتم من أهل المعرفة تقنعون بما أخذتم 
و يظهر من الروايات ان الاطفال يؤذونه و يركضون وراءه في الاسواق و كان يلاطفهم كي يذكروه بخير بعد وفاته فقد  (( قال الحسن بن سهل بن منصور سمعت بهلولا وقد رماه الصبيان بالحصى وقد أدمته حصاة فقال
حسبي الله توكلت علـيــــه         و نواصي الخلق طرا بيديه
ليس للهارب في مهربــــه        أبدا من روحة الا اليـــــــه
رب رام لي بأحجار الأذى        لم أجد بدا من العطف عليه
فقلت له تعطف عليهم وهم يرمونك ، قال اسكت لعل الله سبحانه وتعالى يطلع على غمي ووجعي وشدة فرح هؤلاء فيهب بعضنا     لبعض )) .  و يلحظ من بعض اخباره انه كان  يعمل على تخليد نفسه بأخلاقه الفاضلة في نفوس الاطفال فمثلا (( قال عمر بن جابر الكوفي مر بهلول بصبيان كتاب فجعلوا يضربونه فدنوت منه فقلت لم لا تشكوهم لآبائهم ؟ فقال لي اسكت فلعل إذا مت يذكرون هذا الفرح فيقولون رحم الله ذلك المجنون ! )) . و يحكي علي السيرافي   (( حمل الصبيان يوما على بهلول ، فانهزم منهم فدخل دار بعض القرشيين ورد الباب ، فخرج صاحب الدار فاحضر له طبقا فيه   طعام فجعل يأكل ويقول . فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب  ))  و كان يظهر انه احيانا يخشى الحكومة فيتغاضى عن من يؤذيه فمثلا قد ( وعدا يوما بين أيدي الصبيان فدخل دارا وصعد سطحها واطلع عليهم وقال يا بني الفجار من أين بلاني الله بكم ؟ ! فقال له رجل ويلك تناول الحجارة وارجمهم بها وفرقهم عنك ، فقال مر يا مجنون أنا إن فعلت شيئا من هذا رجعوا إلى التيوس آبائهم فقالوا لهم هذا المجنون بدأ يحرك يديه فيجب أن يغل ويقيد فان في ذلك أجرا عظيما فلا يكفيني ما ألقاه منهم حتى أغل وأقيد  )) و من هنا يظهر ان السلطة العباسية كانت تضيق الخناق عليه .     
و كان يضيق صدر هذا العالم الجليل من التجانن و مداهنة العامة و الجهال و السلاطين فكان يلتجئ الى المقابر و يختلي  هناك مع  ربه و قد نقل عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك انه قال (( رأيت بهلولا في بعض المقابر وقد دلى رجليه في قبر وهو يلعب بالتراب فقلت ما  تصنع هاهنا فقال أجالس أقواما لا يؤذونني وان غبت عنهم لا يغتابونن فقلت قد غلا السعر فهلا تدعو الله فيكشف فقال والله لا أبالي ولو حبة بدينار ان الله تعالى اخذ علينا ان نعبده كما أمرنا وعليه ان يرزقنا كموعدنا ثم صفق بيديه وأنشأ يقول  :
يا من تمتع بالدنيا وزينتها       ولا تنام عن اللذات عيناه
شغلتَ نفسك فيما لست تدركه    تقول لله ما ذا حين تلقاه
 
و قال الفضيل ((دخلت الكوفة وانا أريد الحج إلى بيت الله الحرام وإذا بهلول جالس بين قبرين قديمين ، فقلت له يا بهلول ما جلوسك هاهنا ؟ قال يا فضيل أ ما ترى هذه الأعين السائلة والمحاسن البالية والشعور المتمعطة والجلود المتمزقة والجماجم الخاوية والعظام النخرة لا يتقاربون بالأنساب ولا يتواصلون تواصل الأحباب وكيف يتواصل من قد طحنتهم كلاكل البلى وأكلت لحومهم الجنادل في الثرى وخلت منهم المنازل والقرى ، قد صارت الوجوه عابسة بعد نضرتها والعظام نخرة بعد قوتها تجر عليهم الرياح ذيولها وتصب عليهم السماء سيولها ثم بكى وجعل يقول
تناديك أحداث وهن صموت       وأربابها تحت التراب خفوت
فيا جامع الدنيا حريصا لغيره      لمن تجمع الدنيا وأنت تموت
قال الفضيل وإذا بهاتف وهو يقول
مـــــــل الأحبة زورتي فجفيت     وســــــكنت في دال البلى ونسيت
وكذاك ينسى كل من سكن الثرى      و تــــــــــــمله الزوار حين يموت
قال الفضيل فوقع بهلول مغشيا عليه فتركته وانصرفت )) .
و كان له مناظرات مع علماء و ردود عليهم قولا و فعلا و بالطريقة التي تبين علمه و تبين الحق و لكنه يظهر الجنون  فإنه ينقل انه (( أن البهلول جاء يوما إلى باب بعض أئمة المذاهب فسمعه يقول لتلامذته ان أشياء يقولها جعفر بن محمد الصادق لا تعجبني ، يقول إن الشيطان يعذب بالنار وكيف يعذب بالنار وهو مخلوق  من النار ويقول إن الله تعالى لا يمكن أن يرى مع أنه موجود وكل موجود  يمكن رؤيته ويقول إن العبد هو الفاعل لأفعاله مع أن الله تعالى هو خالق كل شئ . فاخذ بهلول مدرة وضربه بها فشجه وهرب فتبعوه وقبضوا عليه ورفعوا أمره إلى الخليفة فقال بهلول انه يقول إن إبليس مخلوق من النار فلا يمكن أن تؤثر فيه وهو مخلوق من التراب فكيف اثر فيه ويقول إن كل موجود يرى فليرني الألم الذي برأسه ويقول إن الله هو  الفاعل لأفعال العباد فأذن الله هو الذي ضربه لا انا)) .
و نقلت هذه القصة مع ابي حنيفة . 
يقال أنه (( كتب بهلول الى ابن ابي دؤاد  :  أما بعد فإنك قد ميزت كلام الله من الله و زعمت انه مخلوق فإن يك ما ذكرت باطلا رماك الله بقارعة من عنده ويلك أكنت معه حين كلم موسى ؟ فإن كنت رادا عليه فاقرا{ترهقها قترة * أولىك هم الكفرة الفجرة}..)) و كذلك نقل عن  ((محمد بن عبد الله بينما أنا في مسجد الكوفة يوم الجمعة والخطيب يخطب إذ قام رجل به لمم وجنون  فقال أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا فقام بهلول وقال ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما انتهى وحكي أن بعض الخلفاء قال لبهلول أ تريد أن أحيل أمر معاشك إلى الخزانة حتى   لا تكون في تعب منه طول حياتك ، فقال أرضى به ما إن خلا من معايب أولها إنك لا تدري إلى ما أحتاج حتى تهيأه لي ، ثانيها إنك لا تدري متى أحتاج حتى لا تتجاوزه ، ثالثها انك لا تدري مقدار حاجتي حتى لا تزيد عنه ولا تنقص فتبتليني ، والله الذي ضمن رزقي يدري جميع هذه الثلاثة مني ، مع أنك ربما غضبت علي فحرمتني والله سبحانه وتعالى لا يمنعني فضله ورزقه وان كنت عاصيا له بجميع أعضائي وجوارحي )) .  و من جميل ما ورد عنه محاورته لعمر بن عطاء العدوي حفيد الصحابي ابو بكر في مجلس والي البصرة محمد بن سليمان ابن عم الرشيد حيث ذهب الناس المجلس و قد حذرهم البهلول من ذلك لم يقبل بهلول بالذهاب  فلما علم الوالي بعدم رغبته امر بإحضاره و عمر كان يريد محاججته و ايقاعه في فخ اعلان ولايته للإمام علي ( ع ) و الطاعة للإمام الكاظم ( ع )  (( فقال عمرو بن عطاء يا بهلول أنت ترى نفسك من مشهوري زمانك وتدعي الاطلاع على المعارف فأريد إما أن  تسألني أو أسألك ، فقال بهلول لا أحب أن أكون سائلا ولا مسؤولا فقال العدوي لما ذا ؟ قال لأني إذا سألتك عن شئ لا تعلمه لا تقدر أن  تجيبني عنه ، وإذا سألتني تسألني بطريق أهل التعنت والعناد فيختلط الحق  بالباطل ، والذين هم كذلك نهى الله تعالى عن مجالستهم بقوله تعالى((وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسيك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين )) فقال العدوي ان كنت من أهل الايمان فقل لي ما هو الايمان ، فقال بهلول قال مولاي جعفر بن محمد الصادق ع الايمان عقد بالقلب وقول باللسان وعمل الجوارح والأركان ، فقال العدوي تقول ان امامك الصادق فيظهر من ذا انه في زمانه لم يكن صادق غيره ؟ فقال بهلول هو كذلك ومع ذلك فهذا يجري عليك فان جدك سمي أبا بكر الصديق ،    فهل في زمانه لم يكن صديق غيره ، فقال العودي بلى لم يكن غيره ،فقال بهلول كلامك هذا رد على الكتاب والسنة ، أما الكتاب فلأن الله تعالى ((  جعل من آمن بالله ورسوله صديقا فقال والذين آمنوا بالله   ورسله أولئك هم الصديقون ))، وأما السنة فلأن الرسول ص قال لبعض أصحابه إذا فعلت الخير كنت صديقا ، فقال العدوي ان أبا بكر  سمي صديقا لأنه أول رجل صدق الرسول ص .
 
فقال بهلول مع أن الأولية ممنوعة تخصيصه بذلك خطا في اللغة ورد على الآية المذكورة    فترك العدوي هذه الجهة وجعل ينتقل معه من غصن إلى غصن إلى أن قال لبهلول من امامك ؟ قال امامي من أوجب الرسول له على الخلقى  الولا وتكاملت فيه الخيرات وتنزه عن الأخلاق الدنيات . ذلك امامي  وإمام البريات . فقال له العدوي ويلك إذا لا ترى ان امامك هارون الرشيد ، فقال البهلول أنت لأي شئ ترى أن أمير المؤمنين خال من    هذه الصفات والمحامد والله إني لا أظن إلا أنك عدو لأمير المؤمنين مخالف له في الباطن وتظهر الاعتقاد بخلافته وأقسم بالله لو بلغه هذا الخبر لأدبك تأديبا بليغا . فضحك عند ذلك محمد بن سليمان وقال  لعمرو بن عطاء والله لقد ضيعك بهلول وجعلك لا شئ وأوقعك في  الورطة التي أردت أن توقعه فيها وما أحسن بالإنسان أن يبتعد عما لا   يحسنه وما أقبح به أن يدخل في شئ يعلم أنه ليس من أهله ، ثم أمر بعض غلمانه فاخذ بيد عمرو بن عطاء وأخرجه من المجلس وقال لبهلول ما الفضل إلا فيك وما العقل إلا عندك والمجنون من سماك مجنونا ، يا بهلول أخبرني أيهما أفضل علي بن أبي طالب أو أبو بكر ، فقال    بهلول أصلح الله الأمير إن عليا من النبي ص كالصنو من الصنو والعضد من الذراع ، وأبو بكر ليس منه ولا يوازيه في فضله إلا مثله ولكل فاضل فضله . ثم قال محمد بن سليمان لبهلول أخبرني أولاد   علي أحق بالخلافة أو أولاد العباس فرأى بهلول أن المقام حرج فسكت خوفا من محمد، فقال له محمد لم لا تتكلم ؟ فقال بهلول أين للمجانين قوة تمييز وتحقيق هذه الأمور، دع عنك ذكر ما مضى وأصلح ما نحن فيه الآن فإنني جائع، قال محمد بن سليمان ما تشتهي ؟ قال ما  يسد باب الجوع . فأمر محمد أن يحضروا له عدة ألوان من الطعام مع   شئ من الخبز )) .
له اخبار مع بني العباس مثلا مع سليمان بن علي  والي البصرة فكان يلفي اليه يمازحه حتى نقل  الفضل بن سليمان كان بهلول يأتي سليمان بن علي فيضحك منه ساعة ثم ينصرف ، فجاءه يوما فضحك منه ساعة ثم قال عندك شئ نأكله ؟ فقال لغلامه هات لبهلول خبزا وزيتونا ، فأكل ثم قام لينصرف وقال لسليمان يا صاحب ان جئنا إلى بيتكم يوم العيد يكون عندكم لحم ؟ فخجل سليمان . و هناك اخبار له مع الرشيد فمثلا كان الرشيد مارا بالكوفة و هو ذاهب للحج و إذا بالبهلول ((قال للرشيد يا أمير المؤمنين فكيف لو أقامك الله بين يديه فسالك عن النقير -النكتة في ظهر النواة  -  والفتيل - قشر يكون في بطن النواة-والقطمير - الجلدة الرقيقة على ظهر النواة  - كناية عن القلة في البذل على الناس و لعله يقصد منها امر اخر - ، قال فخنقته العبرة فقال الحاجب : حسبك يا بهلول قد أوجعت أمير المؤمنين ، فقال الرشيد دعه ، فقال بهلول إنما أفسده أنت و اضرابك ، فقال الرشيد أريد أن أصلك بصلة فقال بهلول ردها على من أخذت منه فقال الرشيد فحاجة ، قال أن لا تراني ولا أراك ، ثم قال يا أمير المؤمنين حدثنا أيمن بن نائل عن قدامة بن عبد الله     الكلابي قال رأيت رسول الله ص يرمي جمرة العقبة على ناقة له صهباء لا     ضرب ولا طرد ، ثم ولى بقصبته وأنشأ يقول
فعدك قد ملكت الأرض طرا      ودان لك العباد فكان ما ذا
أ لست تموت في قبر ويحوي      تراثك بعد هذا ثم هــــــذا  
فقال له الرشيد اطلب مني حاجة فقال بهلول حاجتي أن لا تراني ولا أراك بعد هذا وحرك قصبته  ومشى وقال ابتعد لا يرمحك الفرس)),
و كذلك ورد (( لما وصل الرشيد الكوفة قاصدا الحج خرج أهل الكوفة للنظر اليه وهو في هودج عال ، فنادى البهلول . يا هارون ، يا هارون . فقال من المجتري  علينا ؟ فقيل هو البهلول . فرفع السجف فقال البهلول يا أمير المؤمنين روينا بالإسناد عن قدامة بن عبد الله العامري قال رأيت رسول الله ص يرمي جمرة العقبة لا ضرب ولا طرد ولا قال إليك إليك ، وتواضعك يا أمير المؤمنين في سفرك هذا خير من تكبرك . فبكى الرشيد  حتى جرت دموعه على الأرض وقال أحسنت يا بهلول زدنا ، فقال أيما رجل آتاه الله مالا وجمالا وسلطانا فانفق ماله وعف جماله وعدل في سلطانه كتب في ديوان الله من الأبرار ، فقال له الرشيد أحسنت وأمر له بجائزة فقال لا حاجة لي فيها ردها إلى من أخذتها منه ، قال فنجري عليك رزقا يقوم بك ، فرفع البهلول طرفه إلى السماء وقال يا أمير
 
المؤمنين أنا وأنت عيال الله فمحال أن يذكرك وينساني )) . و قد قيل ((ان بهلولا مر بهارون الرشيد وقد بنى قصرا جديدا فقال لبهلول أكتب شيئا على هذا القصر فاخذ بهلول قطعة من الفحم وكتب على احد الجدران . رفعت الطين  ووضعت الدين ورفعت الجص ووضعت النص ، فإن كان من مالك فقد   أسرفت والله لا يحب المسرفين وان كان من مال غيرك فقد ظلمت والله لا يحب الظالمين    )) . و ظل البهلول على هذه الحال في مقاومة الطغيان العباسي و هو متجانن لا مجنون - بل المجنون من قال عنه مجنون كما عبر البعض - فإنه كان يفوه بالحكمة و يدفع النقمة و يساعد الناس و يعظهم و يرشدهم و كان موقفه مع بني العباس من الحزم و الاشارة الى اخطائهم  أمام الملئ من الناس يدل على انه مثل دورا كبيرا لم يتمكن غيره من اتباع الائمة عليهم السلام ان يتخذه لصعوبته لذا فقد ظل البهلول مناضلا حتى لبى نداء ربه في سنة 190 أو 192 و قيل 197 و قيل غير ذلك و دفن في بغداد في جانب الكرخ بالقرب من قبر زبيدة العباسية و هنا نستذكر  قول دعبل الخزاعي
ما ينفع الزكي بجنب الرجس و          ما على الرجس بجنب الزكي من ضرر
فرحمه الله تعالى و رفع شانه و حشره في زمرة محمد و ال محمد , و اخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين و من الله التوفيق و اليه المصير  )) .
 
  12 / ذو القعدة / 1445  |  2024 / 05 / 20        الزيارات : 4540004        صلاة الصبح |        صلاة الظهر والعصر |        صلاة المغرب والعشاء |