مجموعة النبراس الثقافية

عدد الزيارات : 1375المختار الثقفي والكوفة تحت المجهر / بقلم : جعفر المبارك


كيف نجمع بين الروايات المادحة و الذامة للمختار الثقفي ؟

توجد في التراث الشيعي في حق المختار روايات تمدح واخرى تذم  ،  فمن الروايات التي تمدح ما روي عن الإمام الباقر (ع) : ((لا تسبوا المختار، فإنه قتل قتلتنا، وطلب بثأرنا، وزوج أراملنا، وقسم فينا المال على العسرة)) ، أما الروايات التي تذم فغالبها تتهمه بالكذب .

قال السيد الخوئي(قدس) : ( وأما الروايات الذامة فهي ضعيفة الاسناد جدا ، ولوصحت فهي لا تزيد على الروايات الذامة الواردة في حق زرارة ومحمد بن مسلم وبريد وأضرابهم...).

يشير السيد (قدس) إلى قضية مهمة وهي أن أهل البيت (ع) كانوا يحرصون أشد الحرص على حفظ حياة أصحابهم و أنصارهم ، و لذلك كانوا يستخدمون شتى الأساليب لإبعادهم عن الخطر ، حيث كان الطغاة ذلك الزمان يقتلون من يُعرف بالولاء  لآل الرسول (ص) ، ومن أصحاب الأئمة الموالين (زرارة ومحمد بن مسلم وبُريد) وقد وردت روايات على لسان الأئمة تذمهم كل ذلك لإبعاد الشبهة عنهم ، و لكيلا يصل السيف لرقابهم ، فكذلك المختار الثقفي مهما وردت فيه من الروايات الذامة فهي لا تزيد عدداًً على ما ورد في غيره من الموالين ، مضافاً أن سبب ورودها هو نفس السبب في ورود تلك الروايات في زرارة و غيره .

ثم يقول السيد الخوئي : (  ويكفي في حسن حال المختار، إدخاله السرور في قلوب أهل البيت سلام الله عليهم بقتله قتلة الحسين (ع) ، وهذه خدمة عظيمة لاهل البيت  (ع) يستحق بها الجزاء من قبلهم، ثم ان خروج المختار وطلبه بثار الحسين (ع) كان قد أخبره ميثم التمار  لما كانا في حبس عبيدالله بن زياد، بأنه يفلت ويخرج ثائرا بدم الحسين (ع)  ) .

اما في كتب الرجال السنية فان المختار مذموم جدا ولا توجد رواية واحدة تثني عليه  ، كيف لا وهو الذي فضح الأمويين ، ونصر أهل البيت (ع).

 

 

 

لماذا لم يخرج المختار وكثير من الشيعة في الكوفة لنصرة الإمام الحسين (ع) ؟

واجه شيعة العراق عامة والكوفة خاصة أقسى الصعوبات في نصرة الحسين(ع) فقد حاول الأمويين أن يبعدوا الشيعة عن الحسين (ع) بشتى الطرق ، وإليك نماذج منها :

1.     قام عبيد الله بن زياد بـسجن 12,000 من الشيعة ولم يترك واحدا (من زعمائهم طليقا) ، ومنهم المختار الثقفي  خرج للطلب بدم مسلم بن عقيل فسجنه بن زياد بعد أن ضربه على عينه فشترها ، وكانوا يلاقون أشد أنواع العذاب . 

2.    يقول البلاذري في كتابه أنساب الاشراف : ((  حجب الوليد بن عتبة بن أبي سفيان أهل العراق عن الحسين، فقال له الحسين : يا ظالما لنفسه عاصيا لربه، علام تحول بيني وبين قوم عرفوا من حقي ما جهلته أنت وعمك ؟ فقال الوليد: ليت حلمنا عنك لا يدعو جهل غيرنا اليك فجناية لسانك مغفورة ما سكنت يدك، فلا تخطر بها فنخطر بك )) .

3.   حاصر بن زياد الكوفة من كل الجهات و وضع الجواسيس ، ووضع أناساًً يراقبون المنطقة من على التلال والمرتفعات ، و مع ذلك لم ينفك الكوفيين عن الخروج لنصرة الحسين (ع) يقول ابن سعد في الطبقات : (( وجعل الرجل والرجلان والثلاثة يتسللون الى الحسين (ع) من الكوفة فبلغ ذلك عبيد الله فخرج وعسكر بالنخيلة، واستعمل على الكوفة عمرو بن حريث وأخذ الناس بالخروج الى النخيلة وضُبط الجسر فلم يترك أحدا يجوزه )) .

و لا ننكر أن هناك من تخاذل عن الخروج لخوف ، أو لأغراض أخرى .

وضع الشيعة في العراق في الحكم الأموي

كان وضع شيعة  الإمام علي (ع) في الكوفة يرثى له  حيث يصف حالهم الإمام الباقر (ع) في الفترة التي توفي فيها الإمام الحسن (ع) و تولي الإمام الحسين (ع) الإمامة الإلاهية بعد أخيه (ع) فيقول : (( فقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الأيدي والأرجل على الظِّنة ، وكان من يُذكر بحبنا والانقطاع إلينا سُجن أو نُهب ماله أو هُدمت داره ، ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين )) .

و يصف لنا المدائني وضع الشيعة فيقول : (وكان أشد الناس بلاءًً حينئذ أهل الكوفة ، لكثرة من بها من شيعة علي عليه السلام ، فاستعمل عليهم زياد بن سمية ، فكان يتتبع الشيعة ، فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم ، وقطَّع الأيدي والأرجل ، وسمَّل العيون ، وصلَّبهم على جذوع النخل ، وطرَّدهم وشرَّدهم عن العراق ، فلم يبق بها معروف منهم ).

أجل ، فلا تستغربوا قوله (فلم يبق بها معروف منهم )  لأن معاوية بن أبي سفيان إتبع سياسة الإبادة و النفي للتخلص من مناصري خليفة رسول الله علي بن أبي طالب (ع) ومن بعده ولده الإمام الحسن (ع) ، وكان زياد بن أبيه ذراعاًً لمعاوية (لع) في خطته .

خطة تصفية الشيعة في العراق

وكانت الخطة مبنية على أربع أمور أساسية :

أولاً : التجنيد الالزامي : و الغرض منه إجبار الشيعة على المشاركة في الحروب للتخلص منهم ، وهو أول اجراء اتخذه عند قدومه الكوفة .

ثانياً : تغيير نظام الأسباع الذي كان على عهد الامام علي (ع) الى نظام الارباع ، و الهدف من ذلك هو تطويق القبائل المعروفة بتشيّعها ، فجعل همدان مع تميم ، وربيعة مع كندة ، ومذحج مع أسد ، فهذه ثلاثة أرباع ، والربع الأخير هم أهل المدينة .

ثالثاً : تسيير خمسين الف مقاتل عراقي مع عوائلهم الى خراسان ، منهم خمس وعشرون الف من الكوفة ، والباقون من البصرة . و لا شك في أن معظمهم من الشيعة .

رابعاًً :  اعتماد جيش الحمراء كـمادة اساسية في قوى الامن الداخلي .

مـــن هــم الــحـــمـــراء ؟

 و الحمراء كانوا يعملون مع الجيش الفارسي وأصلهم من الديلم منهم أربعة آلاف كانوا مع رستم يوم القادسية ويُسمَون جند شاهنشاه ، وقد إستأمنهم على أن ينزلوا حيث احبوا، ويحالفوا من احبوا ، فحالفوا زهرة بن حوية السعدي من بني تميم ونزلوا الكوفة ، وقد فعلوا الأفاعيل بالشيعة سنة 51 وحواليها ، وكان عددهم في البصرة أربعة آلاف وفي الكوفة أكثر من ذلك .

لماذا إختار زياد بن أبيه الحمراء؟

وضع  زياد شروطاًً لهذا الجيش وهي :  ينبغي أن يكون صاحب الشرطة :

 (1) زميتا   (2) قطوبا   (3) ابيض اللحية   (4) اقنى   (5) احنى   (6) ويتكلم بالفارسية.

من هذه الشروط نعلم أنه أراد الإنتقام من الشيعة لأنه سيسلط عليهم أناساًً من الديلم لا يتكلمون بلغتهم بل يتحدثون الفارسية ، فإذا إستعطفهم أحد لن يفهموا لغته ، مضافاً إلى مايُعرفون به من قساوة .

هل الكوفة هي من قتلت الحسين (ع)؟

مما لا يُنكر أن بعض  قادة الجيش الذي قاتل الإمام الحسين (ع) كانوا من أهل الكوفة أمثال : ( شبث بن ربعي، وحجار بن ابجر، ومحمد بن الاشعث، وعمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وغيرهم ) ، ولكن الجيش لم يكن كل أفراده كوفيين ، و إنما غلب عليه إسم ( جيش الكوفة ) لأنه كان تحت قيادة عبيد الله بن زياد وهو امير الكوفة ( كما تسمي الرجل نجفي مثلاً وهو من بغداد ، ولكنك تسميه بإسم المكان الذي يستوطن فيه ، وهذا متعارف عند العرب ) .

كان الجيش يتكون من :

(1) المواليين لمعاوية و يزيد من أهل الشام .

(2) أهل الجزيرة .

(3) أهل البصرة ( وغالبهم من الحمراء الذين سكنوا البصرة كما ذكرنا سابقاً ) .

(4) الحمراء وهم مرتزقة الجيش الفارسي الذين إعتمدهم بن زياد في بناء جيشه الداخلي في البصرة .

و خير دليل على ما نقول هو ما رواه الكليني في الكافي الشريف عندما سأل أحده الإمام الصادق (ع) عن صوم يوم 9 و 10 من شهر المحرم فقال (ع) : ((تاسوعا يوم حوصر فيه الحسين (عليه السلام) وأصحابه رضي الله عنهم بكربلا واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها واستضعفوا فيه الحسين صلوات الله عليه وأصحابه رضي الله عنهم وأيقنوا أن لا يأتي الحسين (عليه السلام ) ناصر  ، ولا يمده أهل العراق - بأبي المستضعف الغريب -...). فنلاحظ قوله (ع) : ((واجتمع عليه خيل أهل الشام )) .

ويجب أن لا ننسى أولئك الـــ 60  كوفياً وهم بقايا وجوه شيعة أمير المؤمنين (ع) من أهل الكوفة والذين كانوا عماد حركته التبليغية السرية زمن معاوية ، وتحملوا  خطر القتل والسجن والتشريد من أجلها ، وقد دعوا الحسين (ع) للكوفة ، ولما بعث لهم إبن عمه مسلم بن عقيل    خرجوا الى مكة ليبايعوا الحسين (ع) عنهم و عن إخوانهم ، ويرافقونه في هجرته اليهم .

أجل هم من قال عنهم علي (ع) عندما خاطب شيعته في الكوفة : ((أنتم الأنصار على الحق ، والإخوان في الدين ، والجنن يوم البأس ، والبطانة دون الناس ، بكم أضرب المدبر ، وأرجو طاعة المقبل ...  )) ، وقال : ((الكوفة كنز الإيمان وحجة الإسلام وسيف الله ورمحه يضعه حيث يشاء ، والذي نفسي بيده لينتصرَنَّ الله بأهلها في شرق الأرض وغربها  . . . )).

 

 
  12 / ذو القعدة / 1445  |  2024 / 05 / 20        الزيارات : 4540034        صلاة الصبح |        صلاة الظهر والعصر |        صلاة المغرب والعشاء |