مجموعة النبراس الثقافية

عدد الزيارات : 9351مسلسل المختار بين الحقيقة والتدليس / بقلم : جسام السعيدي


المسلسل الإيراني "رسالة المختار" عمل درامي ضخم ، وكّلف إنتاجه الملايين من الدولارات ، يروي سيرة الثائر العراقي الكوفي المختار بن عبيدة الثقفي المعروف بأبي اسحاق ، والذي طالب بالثأر لاستشهاد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء عام واحد وستين للهجرة وقد تمكن من قتل جميع قتلة الامام الحسين عليه السلام ، والجيد في هذا المسلسل حجم الانتاج الضخم وكفاءة التصوير والتمثيل والإخراج حيث إستغرق إنتاجه 9 سنوات وكذلك سرده لوقائع تأريخية مهمة يغفل عنها غير المتخصص في التأريخ ، وهم غالبية المشاهدين ، ونحن بحاجة لمعرفة هذه الأمور ، وكذلك تجسيده لموقف الشيعة الصعب في ذلك الوقت .

ولكن للأسف  - كما هو حال أغلب المسلسلات التأريخية الإيرانية – كانت هناك أخطاء كثيرة في القصة وسرد الحقائق التأريخية  .

فالمؤسف في المسلسل العنصرية الواضحة والميل نحو تمجيد القومية الفارسية بلا أي دليل تأريخي حقيقي يثبت ما يقوله بهذا الصدد، فقد إخترع المسلسل إسماً فارسياً هو (كيان) ليلصقه بشخصية مهمة في الأحداث هي من المَوالي وقد كان قائد حرس المختار وإسمه (كيسان أبو عمرة) والمَوالي هم كل من لم يكن عربياً من المسلمين سواء كانوا فرساً أو من القوميات العراقية القديمة أو مصريين أقباطاً أو برابرة أو غيرها من القوميات ، فسكان العراق آنذاك بحسب الخارطة الديموغرافية له عام  61هـ ( السنة التي حصلت فيها ملحمة الطف الخالدة ) كانوا من :

 

* القوميات العراقية القديمة غير العربية – السومرية(على رأي من يرونها قومية وليست طبقة من رجال الدين الأكديين) والأكدية (بفرعيها البابلية والآشورية) والآرامية (بفرعيها السريانية والمندائية) وكان أولئك جميعاً هم أغلب العراقيين من سكانه وهم بعرف ذلك الزمن كانوا من الموالي عند دخولهم الاسلام .

 

*   قوميات العرب العراقيين بالأصل والمهاجرين العرب العائدين من الجزيرة العربية إلى العراق بلدهم الأصلي الذي هاجروا منه في الألف الأول قبل الميلاد.

*   المُهجّرين العرب وغيرهم من الأمويين الشاميين إلى العراق عام 51هـ ، وكانوا في الكوفة وحدها (25)ألف والذين أُسكنوا بدل العراقيين الشيعة  ( المُهجّرين قسراً إلى بلاد خراسان والتي أصبحت فيما بعد تابعة إلى إيران الحالية ، ويشكلون – العراقيون - اليوم أسلاف الشيعة الإيرانيين القدماء في التشيع) ، وهم – الشاميون - كانوا أغلبية الجيش المقاتل للإمام الحسين عليه السلام ، وذلك للحديث التالي :

روى ثقة الاسلام الكليني عَن أَبانٍ عَن عَبدِ الملِكِ قالَ : سالتُ أَبا عَبدِ اللهِ عليه السلام عَن صَومِ تاسوعاءَ وَعاشوراءَ مِن شَهرِ المُحَرَّمِ فَقالَ : تاسوعاءُ يَومٌ حوصِرَ فيهِ الحُسَينُ عليه السلام وَأَصحابُهُ رَضي اللهُ عَنهُم بِكَربَلاءَ وَاجتَمَعَ عَلَيهِ خَيلُ أَهلِ الشّامِ وَأَناخوا عَلَيهِ وَفَرِحَ ابنُ مَرجانَةَ وَعُمَرُ بنُ سَعدٍ بِتَوافُرِ الخَيلِ وَكَثرَتِها وَاستَضعَفوا فيهِ الحُسَينَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيهِ وَ أَصحابَهُ رَضي اللهُ عَنهُم [1] .

* قوميتي الكُرد والتركمان العراقيتين بالولادة والتوطن وهم بعُرف ذلك الزمن كانوا من الموالي أيضاً .

وكان العراقيون العرب - سواء الأصليين أو المهاجرين - أقليةًً وسطَ سوادٍ أعظم من تلك القوميات العراقية غير العربية ، ولو أضفنا لها قوميتين أُخريين من سكان العراق هما الكرد والتركمان - حيث أصبحت الأخيرة منذ عام 17 للهجرة جزءً من الشعب العراقي – وأضيفت إلى تركيبته السكانية، فسنجد أن العرب العراقيين كانوا كالكرد والتركمان العراقيين أقلية وسط أغلبية من القوميات العراقية المذكورة آنفاً، ولأن أغلب سكان العراق هو من تلك القوميات غير العربية بمجموعها ، فإن أغلب العراقيين كانوا بحسب العرف أنذاك من المَوالي وليسوا من العرب .

أبو عمرة كيان أم كيسان ؟

عربي أم فارسي ؟

ولو إفترضنا العكس - بأن أغلب العراقيين كانوا من العرب - فما الدليل تأريخياً على إن (كيسان أبو عمرة) منتمٍ إلى القومية الفارسية – كما جعله المسلسل كذلك - وليس إلى القوميات العراقية أو الساكنة للعراق آنذاك طالما إن الإثنين يُطلق عليهما مَوالي ؟ ! !

كما أن الكثير من المتتبعين للعمل لفت نظرهم إلى أن الكثير من الأحداث المهمة في المسلسل اُسندت لهذه الشخصية لا لشيء إلا لإثبات أن الفرس كان لهم قصب السبق في الأخذ بثأر الإمام الحسين عليه السلام ! ! وليس هناك من دليل على ذلك لو سلمنا بأن (كيسان) هو (كيان) وإنه فارسي وليس من (الموالي) العراقيين .

 

 

 

قومية معسكر الباطل

كما إن المسلسل عرض أمراً غريباً آخر ، وهو التركيز على قومية من قاتلوا الإمام الحسين عليه السلام بأنها القومية العربية حصراً زاعمين بأنه لم يكن من إيران في معسكر الباطل (معسكر يزيد) أحدٌ غير شخص أسموه(رستم) وكما قالــــــــــت قناة  (I FILM ) ذلك بالنص الذي ننقله هنا من موقعها الرسمي على الإنترنت :

   (( في الحلقة الـ 27 من مسلسل المختار الثقفي ، تشاهدون كيف تجري عدالة المختار على عمر بن سعد أحد الأشقياء الذين حضروا كربلاء في جبهة يزيد )) ، إلى أن يقول الموقع : (( وفي هذه الحلقة سيتعرف المشاهدون أيضا على شخصية جديدة ، شخصية رستم الذي ظهر قليلا في الحلقة 26 ، ورستم هو غلام شمر، وهو ايراني أسر في أحد المعارك بين العرب والايرانيين، وهو ايضا الايراني الوحيد الذي وقف في صف الاشقياء بكربلاء بوجه الامام الحسين عليه السلام)) .

رستم إيراني أم فارسي ؟ ولماذا ؟

والسؤال الذي يطرحه المتابع:  لماذا وصف المسلسل رستم هذا بأنه (الايراني الوحيد..) ولم يقل (الفارسي الوحيد)؟! ألا يعني وصفه بالإيراني بأنه ممكن أن لا يكون فارسيا على اعتبار أن القوميات في ايران كثيرة فمنهم العرب والترك واللور والكرد والآشوريين وغيرهم ؟ ! ويتساءل المشاهد، ألا يعتبر غريباً أن يصر كاتب المسلسل على اعتبار (كيسان أبو عمرة) فارسياً اسمه (كيان) وليس إيرانياً خوفاً من أن يذهب الفضل لغير الفرس وإن كانوا هؤلاء إيرانيين فضلاً عن غيرهم ؟ !

تسمية إيران لم تكن بزمن المسلسل!

ثم هل يعلم المشاهدون أن كلمة (إيراني) نسبة ً إلى ايران هي نسبة حديثة لم تكن مستخدمة آنـــــــــذاك - زمن قصة المسلسل – لأن إيران بحدودها الحالية لم تكن موجودة أصلاً، كما أن هذا الاسم حديث ولم يطلق على مجموع البلدان التي تشكل إيران الحالية إلا حديثاً وهو قطعاً بعد عام 61هـ!!!

وقبل تكّون ايران الحالية وضم بلدانٍ أخرى مع بلاد فارس من قبل الأباطرة والملوك الأقوياء الذين حكموها، فإن ما كان مستخدماً في النسبة الى بلدانها هو (الفارسي) و(الخراساني) و(السجستاني) و(الآذري)نسبة لبلاد فارس وبلاد خراسان  وبلاد سجستان (سيستان) وبلاد آذربيجان، على التوالي - وهي أجزاء من ايران الحالية – ولم تكن نسبة (الايراني) مستخدمة على هؤلاء لأنها سالبة بانتفاء الموضوع كما يقول المناطقة، فهم لم يكونوا يومها ايرانيين ولا حتى فرساً، ولم تكن ايران تضم البلدان التي ينتمي لها هؤلاء لأنها لم تكن موحدة تحت هذا الاسم آنذاك، بينما نرى غرابة التركيز على هذه النسبة من قبل المسلسل بلا أي داعٍ ولا أي مستند تأريخي؟!

الفرس في جيش بن زياد

ولندع هذه التساؤلات المشروعة جانباً، ولنطالع التأريخ ولنرى هل كان معسكر الباطل في ملحمة الطف خالياً من الإيرانيين أو الفرس – بعبارة أصح- إلا من رستم هذا أم لا ؟ ! رغم أن وجود إيرانيين أو الفرس ليس مثلبة أو عدم وجودهم ليس منقبة، باعتبار ان الباطل لا يعرف هوية وقومية ، فأبو لهب عربي وهو عم سيد الكائنات صلى الله عليه وآله، وعم سيد الوصيين علي بن أبي طالب عليهما السلام، وكان من أبو لهب ما كان من إيذاء للإسلام ونبيه، وسلمان المحمدي - الصحابي الجليل - كان فارسياً واعتبره النبي من أهل البيت عليهم السلام، فما الداعي للالتفاتات القومية غير الموفقة في المسلسل ؟ ! والتي جعلت المتابع يتحسسها في كل حلقاته.

مجموعة من الفرس تحت راية عمر بن سعد

ذكر المؤرخون حادثة تكشف عن إحدى مجاميع جيش الباطل، وتعتبرها جزءً من أولئك الفرس المشتركين في المعركة ضد الإمام الحسين عليه السلام، حيث تقول الحادثة أن عمر بن سعد قد خرج بأمر من عبيد الله بن زياد إلى منطقة في ايران الحالية تسمى دستبي، بسبب خروج الديلم اليها، ثم أمره بن زياد بتحويل اتجاهه الى كربلاء لمقاتلة الإمام الحسين عليه السلام، وجعل بعض المحققين هذه الحادثة مؤشراً على كون الخارجين إلى دستبي هم من الفرس، فقد ذكر المؤرخ الطبري: (وكان سبب خروج ابن سعد إلى الحسين عليه السلام أن عبيدالله بن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلى دستبى وكانت الديلم قد خرجوا إليها، وغلبوا عليها، فكتب إليه ابن زياد عهده على الري وأمره بالخروج، فخرج معسكرا بالناس بحمام أعين فلما كان من أمر الحسين ما كان وأقبل إلى الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال : سر إلى الحسين فإذا فرغنا مما بيننا وبينه سرت إلى عملك) [2] .

ويعلق الباحث المحقق أسد حيدر على هذه الرواية بقوله : (... وكان هؤلاء من بقية الفرس أيام الفتح وهم المعروفون بحمر الديلم) [3] ، ويضيف (وقيل أنهم كانوا خمسة آلاف) [4] .

ومما يؤكد تاريخياً وجود هؤلاء الفرس - من بقايا الاحتلال الفارسي للعراق - ضمن سكان الكوفة وكونهم كانوا جزء مهماً من سكانها، وأن عددهم كان عشرون ألفاً، هو ما ذكره المؤرخ الشهير الدينوري حيث قال : (أبناء العجم الذين كانوا بالكوفة ، ففرض لهم معاوية - وكانوا يسمون الحمراء - وكان منهم بالكوفة زهاء عشرين ألف رجل) [5] .

ولو تنزلنا عن كون كل أو معظم تلك المجموعة من الفرس، فيكفينا ثبوت أن عددهم الكلي في الكوفة يزيد على (20) ألف مقاتل، وأنهم قد خرجوا كلهم للقتال كحال الآخرين وفق مبدأ النفير العام الذي اطلقه عبيد الله بقوله .

ولو نظرنا إلى عدد الفرس ضمن الجيش المقاتل ضد الإمام الحسين عليه السلام، لوجدناه يأتي بالمرتبة الثانية عدداً بعد أهل الشام، بلحاظ كون الجيش في أقل الروايات مكون من (30) الفاً، فلو كان أهل الشام يشكلون (25) الأفاً منهم، وأخذنا بالرواية الأخيرة التي تحصي (4)آلاف من الفرس، فيكون المجموع (29)ألفاً، فيبقى الآلف الأخير من حصة بقية الفئات مجتمعةً، وبضمنهم أهل الخلاف والعداء لأهل البيت عليهم السلام من الكوفة .

افتراءات المسلسل على ولاء العراقيين للإمام الحسن C

قصة المسلسل تبدأ من أواخر أيام حياة الإمام الحسن عليه السلام عندما كان المختار شابا حيث يستعرض الأحداث التي انتهت بالهدنة بين الإمام الحسن عليه السلام ومعاوية بشرط أن تؤول الخلافة إلى الإمام الحسن عليه السلام بعد وفاة معاوية أو إلى الإمام الحسين عليه السلام إن لم يكن الامام الحسن عليه السلام على قيد الحياة . ونلاحظ هنا أن المسلسل لم يغفل  - كما هو ديدنه متى ما وجد فرصةً لذلك - عن مدح الفرس وذم العرب بشكل غير مباشر كما أظهر بغرابة أن مجتمع مدينة (المدائن) العراقية مكون من العرب والفرس ! ! !  ورغم أن ذلك لا دليل تأريخي عليه ، ولو تنزلنا عنه فإننا لا نستطيع أن نفهم لماذا جعل المسلسل العرب بغالبهم أمويون والفرس علويون دائماً ؟ ! ! ! رغم حقيقة أن الشيعة في إيران آنذاك كانوا أقلية ومعظم هذه الأقلية هم من العراقيين الذين هُجروا من السلطة الظالمة أبان الحكم الأموي بسبب ولائهم العلوي .

وكان المسلسل - متى سنحت الفرصة لكاتب السيناريو – يركز على أن الفرس هم الأفضل ، وإليكم شواهد على ذلك :

المشهد الأول

فيظهر مشهدٌ في الحلقة الأولى من المسلسل عودة الإمام الحسن عليه السلام من معركة مع جيش معاوية وهو يدخل المدائن فيتكلم شخصان فيما بينهما - بعدما شاهدا الإمام يدخل المدينة - وينوهان بأن أنصار الإمام لو كانوا فرساً لما حدث ما حدث للإمام ! ! ! والحال إن الأراضي التي تسمى حالياً إيران كانت آنذاك ذات غالبية سنية وفيها أقلية شيعية معظمهم من العراقيين المهجرين من الكوفة على يد بن زياد . . فتأملوا . . .

المشهد الثاني

ونرى امرأة المختار (عمرة) في إحدى الحلقات وعندما خرج من السجن تُذكِّره بأن من الأفضل له الذهاب إلى إيران بدل الحجاز لأن فيها أنصاراً لأهل البيت عليهم السلام ! ! وجواب الإشكال عين ما سبق . .

المشهد الثالث

ونرى في مشهد تجميع قوات المختار للأخذ بالثأر أن جماعة (كيان) من الفرس هم أول من نادى بشعار (يا لثارات الحسين) ! ! ! في إشارة واضحة إلى أنهم أصحاب الفكرة دون العرب، والحقيقة أن لا دليل على ذلك ! ! ونحن لو بحثنا في ثنايا المسلسل لوجدنا العشرات من هذه الأخطاء المقصودة التي تخلق بقصد أو بدونه الانهزامية في روح العراقيين ، وإيهامهم بأنهم أحفاد أشرار متقاعسين عن نصرة الحق في كل زمان ! ! والحال أنهم غير ذلك وكما تطرحه الروايات .

العراقيون في كلام أهل البيت G

 والدليل معنا من كلام المعصومين عليهم السلام في مدحهم ، نبدأها بقول أمير المؤمنين علي عليه السلام مخاطباً العراقيين قال : (أنتم الأنصار على الحق والإخوان في الدين والجنن يوم البأس والبطانة دون الناس، بكم أضرب المُدبِر، وأرجو طاعة المُقبِل) [6] .

وعنه عليه السلام في وصف الكوفة أنه قال : (هذه مدينتنا ومحلنا ومقر شيعتنا ) . وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : (تربة تحبنا ونحبها ) ، وعنه عليه السلام : (اللهم ارم من رماها ، وعاد من عاداها ) [7] .

ولا زالت الكلمة الرائعة التي تمثل بها إمامنا الحسن عليه السلام ، حين رحل عن الكوفة بعد معاهدة الصلح ، وقد حفظها لنا التأريخ ليثبت حُسن ثقة الإمام بالعراقيين المطيعين له ، وهي قوله عليه السلام : (وما عن قلبي فارقت دار معاشري هم المانعون حوزتي وذماري) [8]  .

وهذا خلاف ما يظهره لنا التأريخ الذي بين أيدينا عن الكوفة وأهلها وهو تأريخ عباسي وللأسف على ضوئه تكتب المسلسلات ومنها هذا المسلسل .

وقد التقينا بهذا الخصوص بالعلامة المحقق السيد سامي البدري من الحوزة العلمية في النجف الأشرف ،  وسألناه : باعتباركم محقق ومختص في مجال التأريخ ، ما رأيكم سماحة السيد بالمسلسل الإيراني (رسالة المختار) من الناحية التأريخية ؟

 السيد البدري : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين . . .

إن السينما الايرانية قد أنتجت الكثير من البرامج والمسلسلات على الصعيد الفكري الاسلامي الشيعي وأن مسلسل (رسالة المختار) هو من ضمن هذه الاعمال ولكن كما تعلمون فأن كاتب السيناريو ليس محققاً تأريخياً بل هو يجتهد في أن يقرأ حول الموضوع ويؤلف سيناريو جديد يملأ من خلاله مناطق الفراغ التاريخي وذلك بإبتكار أحداث جديدة من أجل تكميل المشهد .

إن قضية الكوفة لازالت بعيدة عن التحقيق التاريخي وما يوجد من الكتب حولها هو رؤيا سلبية عنها وعن أهلها في أزمان الائمة علي والحسن والحسين عليهم السلام ،  وهذه الرؤيا السلبية عندما يمر عليها القارئ فإنه يتلقاها ويتفاعل معها لأنه يجدها في أكثر من مصدر قديم ، ويتصور أن هذه المصادر قد أجمعت على الرؤيا السلبية والحال أن الامر ليس كذلك . إن هذه الأخبار التي تذم أهل الكوفة والتي ملئت الكتب أنما هي أخبار موضوعة من قبل الإعلام العباسي ، حيث أن ما بين أيدينا من كتب التاريخ هو نتاج العصر العباسي الذي أنقرض فيه كل نتاج التاريخ القادم من العصر الاموي ، وأستمر الإعلام العباسي يروج ضد الكوفة وأهلها منذ سنة 145 هـ وحتى سنة 656هـ تاريخ سقوط الدولة العباسية ، والمؤرخ الذي يريد أن يتقرب الى الدولة آنذاك يضع حديثاً ضد أهل الكوفة ، فالباب كان مفتوحاً في هذا المجال، حيث كان اهل الكوفة من شيعة علي عليه السلام وليس من شيعة بني العباس .

الوفاء الكوفي مضرب للمثل

 وتحولت المسألة من شعار (أوفى من كوفي) - فلا يوجد آنذاك من هم أوفى من أهلها - الى ما نقرأه الآن من كلام ضد الكوفة والكوفيين ! ! حتى أن معاوية شهد لهم بذلك فقال (والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب من حبكم له حال حياته) وقال أيضاً (هيهات يا أهل العراق، نبهكم علي بن أبي طالب، فلن تطاقوا ). فقد أوجد الامام علي أمير المؤمنين لدى العراقيين همة ونهضة وثقافة حاول أعداء أهل البيت أغفالها وتشويها بدس الروايات التي تثبت أن أهل الكوفة ليسوا سوى خونة ! ! أن مسلسل المختار فيه مواضيع جميلة جداً باعتباره يحتوي على مشاهد هي من الثوابت فيما يخص الامام الحسن عليه السلام، فالكاتب شيعي ولا يستطيع أن يذكر شيئاً سلبياً عن الإمام الحسن عليه السلام كونه معصوماً ولكن للأسف صب الكاتب جام غضبه على غير المعصومين في المسلسل وهم أهل الكوفة ! ! والمشكلة الاخرى أن كاتب السيناريو ليس محققاً كما أنه حتى لو إتصل بالمحققين لكنه إستقى معلوماته ممن لم يصل الى الحقائق في هذا الموضوع . 

لماذا لم يذهب

كثير من الشيعة لكربلاء ؟

والحقيقة أن أنصار المختار كانوا في السجون عند نهضة الإمام الحسين عليه السلام وأنه بعد تبدل الظروف وخروجهم من السجن واصلوا حركة الامام الحسين عليه السلام واستجابوا لتوجيهاته التي كان قد أخبرهم بها في مؤتمر مكة سنة 58هـ حيث حضر المؤتمر أنصاره من البصرة والحجاز وغالبية من الكوفة الذين كانوا مسجونين خلال النهضة الحسينية وكان الامام قد أخبرهم سابقاً أنه سيقتل وعليهم إتمام نهضتهِ . فمن الصعب على كاتب السيناريو الوصول الى هذه الحقائق فهي ليست من اختصاصه بل من اختصاص المحققين . أن الدولة العباسية خططت لتغيير التاريخ المشرِّف للكوفة حيث انها لبّت نداء الامام الحسين عليه السلام ، فقالوا  أنــهــــا لــبــت وغـــــدرت ! ! ! وجـــــعـــلـــوهـــم أســوء مــن يزيد ! ! ! وهذا وهمٌ في الحقيقة .

 

أبو مخنف

وتشويه سمعة الكوفة

إن الكثير من المخالفين يعتمدون على أبي مــخــنــف في مــســالة ذكــر الكوفة لأن الأخير قد حقق رغبة العباسيين في تدمير سمعة أهل الكوفة، ولــيـــس مــــــن الصحيح الاعتماد عليه، لأنه حقق في بعض روايته جزء من هدفهم في خلق الروح الانهزامية لدى الكوفيين بالصاق تهمة قتل الإمام الحسين عليه السلام وأغلبهم منها براء كما رأينا .

 

 

 

 


[1] - الكافي ، الكليني  4 / 147

[2] - تاريخ الأمم والرسل والملوك ، الطبري  3 / 310

[3] - مع الحسين في نهضته ، العلامة المحقق أسد حيدر  173

[4] -المصدر السابق 176

[5] -الأخبار الطوال ، الدينوري 288

[6]- بحار الأنوار 32 / 236

[7] - بحار الأنوار ، المجلسي  57 / 210

[8] - صلح الحسن ، الامام شرف الدين 20  

 
  12 / ذو القعدة / 1445  |  2024 / 05 / 21        الزيارات : 4540687        صلاة الصبح |        صلاة الظهر والعصر |        صلاة المغرب والعشاء |