من أصعب اللحظات في العمر تلك الواقعة في ساعة من أيام الأربعين ، التي يعلن فيها مسؤول الموكب انتهاء الخدمة لهذا العام ، ففيها يخيم الحزن على الجميع ويصابون بالكآبة ، مستذكرين ساعة بدء الخدمة ، ومتحسرين على فراقها ، وأصعب منها تلك اللحظات التي يودعون فيها كربلاء راجعين إلى مناطقهم .
إن أيام الأربعين لا تحسب من أعمارنا ، فهي أيام لها طعمها الخاص ، وتمتاز بلون مميز ، إذ تتجلى فيها أروع القيم ، وندرك فيها معنى أن يكون الإنسان من شيعة الحسين عليه السلام ، فالجميع يتحلون بالأخلاق الحسينية ، وتتجسد فيها كل القيم والمبادئ الإسلامية في الجسد الشيعي ، فالصبر ، والإيثار ، والجود ، والكرم ، والتعاون ، والتكاتف ، والتسامح ، والمحبة ، ونكران الذات ، والتواضع ، وحسن الخلق ، والشجاعة ، والوحدة ، وغيرها من أروع الصفات التي ضحى من أجل بقائها سيد الشهداء عليه السلام كلها تتجسد في خدام الحسين عليه السلام وزواره ، ولا داعي لسرد قصص عن ذلك ، فعند كل شيعي عشرات القصص عن ذلك .
كل هذا يخلق جواً من المحبة بين الشيعية ما بعد الأربعين لما وجدوه عند بعضهم البعض من مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات ، وهذا من بركات نهضة الحسين عليه السلام ففي أيام محرم وصفر تترسخ هذه القيم والأخلاق في نفوس الشيعة ، مما يساهم في بناء مجتمع مثالي .
ولكن ..
كل الأمل أن تستمر هذه الحالة طيلة العام ، فتجد كل تلك الصفات عند الشيعة مستمرة ما بقيت حرارة حب الحسين مشتعلة في قلوبهم ، ولو حدث ذلك لصافحتنا الملائكة ، و لوجدت المجتمع يعيش عصراً ذهبياً .
ولا تكن متشائماً ، بل ابدأ أنت أولاً من نفسك فأنهها عن غيها ، وأدعها للتمسك بتلك القيم التي تلبست بها خلال الأربعين ، ولا تنشغل بالنظر لعيوب الآخرين ، فإن التزمت أنت أولاً ، فتوجه لغيرك وأدعه لذلك ، حتى يعم ذلك شيئاً فشيئاً .