كعادتي كل ليلة خرجت بحذر من غرفتي كي لا أوقظ رفاقي النائمين بعد أن ذهب نصف الليل . . أحمل مصحفي الصغير بيدي . .
كانت ليلة شتوية باردة . .
كان ماء السخان قد نفذ فكان الماء بارداً .. توضأت وضوءاً سريعاً . . وبدأت أتلو شيئا من سورة الانفطار في الممر ولا أدري لم اخترت أن أتحرك جيئة وذهاباً في الممر في تلك الليلة رغم أنني معتاد على الجلوس أرضاً . .
أعتقد إنها حكمة الله التي تجعل كل ذلك يحصل . .
بعد لحظات من بدئي التلاوة سمعت الحانا غريبة فاتجهت بدافع الفضول لأرى ما يحصل . .
كان ذلك الشاب الذي أشعر حياله بالشفقة وأحيانا أتحاشاه . . كان منظره محزناً . .
أغانيه العالية . . الدخان ملأ فمه .. عينان ناعستان . .
شاب حزين بالفعل . . لا يفارقه الشرود مشغولاً بأفكاره المشبوهة . . كما سيجارته . .
كنت حزيناً لأجله حقاً . .
اقتربت بحذر مستمراً بالتلاوة فرمقني بنظرة لا تشي بالرضا ورفع صوت أغانيه أكثر فرفعت أنا صوتي أكثر . .
استوى صاحبنا جالساً . . (لم تكن تلك علامة جيدة)
قبل أن أكمل تلاوتي بادر قائلاً : لم لا تستمتع بحياتك . .
لم لا ترقص . . لم لا تسمع الأغاني . .
لم أتفاجئ كثيراً لأنني سمعت ذلك الكلام من قبل . .
قلت له بإيجاز : أنا لا أرقص على بساط السلطان وآكل من خبزه . . نظرت اليه وكأن حجراً سقط على رأسه . .
وبادر الى اطفاء أغانيه بسرعة . .
كنت أرغب أن أتكلم أكثر إلا أنني رأيت أن من الحكمة أن أكتفي بما قلت . .
بعد ليالٍ خمس صادفني في ذات الوقت وكأنه كان ينتظر خروجي . . وقال لي :
أنا اخشى أنه لن يقبلني بعد كل ما مضى . .
قلت له : إنه لا يرفض أحداً يا صديقي . .
يكفي أن تعود اليه فقط . .
أطرق قليلاً ثم قال : أنا أريد العودة . .
ولليالٍ كان صديقي ينتقل من طور الى طور ، ووجهه يشرق يوماً بعد يوم . . حتى صرنا نقرأ القرآن سوية ويوقظ أحدنا الآخر عند صلاة الفجر . .
كان الأمر عبارة عن كلمة غيرت مسار حياة بأكملها . .
كل من يظن أنه لن يقبله .. ليس مصيباً . .
مهما فعلت . .
مهما اقترفت . . إنه يفتح أبوابه لجميع العصاة النادمين . .
فقط عد . . وستجد إنه كان أقرب اليك من حبل الوريد . .
المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله وواعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه .
قالها قدوة الشباب .. الامام الجواد عليه السلام
تحف العقول : ٤٥٧