مجموعة النبراس الثقافية

عدد الزيارات : 1992المسلسلات والهجمة على الثوابت / بقلم : جعفر الموسوي


نشهد في كل عام ظهور باقات تحمل عشرات المسلسلات في شهر رمضان المبارك ، وبعيداً عن البحث في الأسباب والدوافع ، ومن يقف وراء ذلك ، وكي لا نُتهم بأنا من أصحاب نظرية المؤامرة ، نسوق عنان الكلام نحو نقطة مفصلية إخترتها كنموذج للبحث ، سيما وقد حاولت المسلسلات تحفيزها وإثارتها في أذهان المشاهدين بإسلوب مباشر أحياناً ، وبالتلميح في حين آخر ، وقبل الحديث نشير لأمور :
 
1. لا ندعو لمقاطعة المسلسلات ، بل لإنتقاء ما نشاهد ، وأن لا نضيع العمر ، والشهر الفضيل في ذلك بل نكتفي بما يُحقق عنوان الترفيه الذي يحتاجه كل إنسان في حياته ليتقوى بذلك على العمل والجد في باقي الوقت .
2. إن ما نذكره من شواهد للحديث لا يراد بها تسقيط تلك الأعمال الدرامية المشار إليها ، إذ الكاتب لم يتابع جميع المسلسلات كي يُحشّد الشواهد منها ، ولذا كانت الشواهد المذكورة كمصداق للحديث نظراً لسعة جمهورها .
3. لا ندعو لنمط معين من الحجاب بقدر ما ندعو كل عاقلة للبحث عن الحقيقة التي غفلت عنها ، فباتت لا تعرف لماذا الحجاب ؟! وكيف تكون إمرأة فاعلة ومتميزة ؟!
 
الحجاب إنموذجاً
 
■ لماذا الحجاب ؟
- يُدرك العقلاء بفطرتهم ضرورة وجود قانون يحكم البشر ، كي لا يكون الحكم للأقوى ، وبالتالي سوف يُظلم الضعفاء ، ولابد في أن يكون واضع القانون شخصاً غير مستفيد من القانون ، وإلا فإنه سيُقدم مصالحه ويُقنن على ذلك الأساس ، وعليه فلن يكون الإنسان هو المقنن خصوصاً مع ما نشهده من ظلم قوانينه حيناً ، وعدم صلاحيتها في حين آخر ، ولما كان لهذا الكون خالق حكيم مدبر لشؤونه ، فمن البعيد عقلاً أن يترك مخلوقاته بدون نظام يتبعونه في حياتهم سعياً نحو حياة متكاملة مستقرة .
- ولذا كان (الدين) هو القانون الذي يحكم الكون وينظم شؤونه بما تقتضيه المصالح ، وكانت (الشريعة) برنامجاً يعرض الدين بما يتناسب مع كل زمان ، ولذا نلحظ تعدداً في الشرائع السماوية على مرور العصور والأزمان .
- والشريعة التي ختم بها الخالق شرائعه هي الشريعة الإسلامية لسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله ، وقد تضمن الإسلام قوانين تنفع البشرية في كل زمان ومكان ، من غير فرق بين شعب من الشعوب .
- ومن ضمن تلك القوانين قانون يُنضم شؤون الجنس بمختلف تفاصيله ، وقد تضمن مادة تحكم ب : وجوب ستر البدن على كلٍ من الذكر والأنثى ، على تفاوت بكيفية الستر بينهما بما ينسجم مع طبيعة كل منهما .
- فأما ما يخص الأنثى : فيجب عليها ستر:  (الشعر) ، و(البدن) ، وأما (الوجه) و(الكفين) فيجوز إظهارهما إلا إذا كان ذلك يسبب وقوع الرجال في الإفتتان عند النظر فعندها لا يجوز الإظهار ويجب الستر .
- وكان الهدف البارز من الحجاب هو : صون المرأة من إختراق الذين لا يحترمون الخصوصية ، ولا يهمهم إلا إشباع غرائزهم ، وصون المجتمع  من الوقوع بمشاكل العلاقات الزوجية ، مما يؤدي للطلاق في أحيان كثيرة ، ولكي لا ينشغل الشباب في الجامعات والموظفين في عملهم بالجنس ؛ لما يجدونه من إغراءات نتيجة إظهار النساء لمفاتن أجسادهن ، وبالتالي سيرجع المجتمع إلى الوراء ، إذ من يؤمل بهم تطوير البلد إنشغلوا عن العلم بالجنس ، وبالتالي فإن الحجاب يقي المجتمع كثيراً من المشاكل ، ويوفر للعلاقات الزوجية فرصٓ نجاحٍ أكبر .
- وللأسف فإن الكثير بدلاً من الإستفادة من هذا القانون ، تركوه جنباً وأتبعوا قوانين أخرى تؤدي بهم إلى الضعة والإمتهان ، والتفريط في العزة والرفعة التي وفرها لهم قانون الحجاب ، يقول الباحث (ديل ديورانت) : لقد عرفت المرأة أن التبذل يؤدي الى الضعة والامتهان فعلّمت ذلك بناتها ؟! ويقول المخرج السينمائي العالمي الشهير (الفريد هيتشكوك) : إن المرأة الشرقية شديدة الجاذبية بذاتها ، وكانت هذه الجاذبية تمنحها الكثير من القوة ، ولكن على أثر المساعي الكبيرة التي بذلتها المرأة الشرقية لتتساوى مع أختها الغربية انزاحِ الحجاب شيئاً فشيئاً ، فتضاءلت جاذبيتها الجنسية شيئاً فشيئاً مع زوال حجابها .
 
■ الحجاب في المسلسلات
- ليس الحديث عن تلك المسلسلات التي تُظهر النساء متبرجات أمام الأجانب ، بل الحديث عن تلك التي تتحدث عن بيئة يسودها الحجاب ، وخير شاهد هو مسلسلات البيئة الشامية ، فإنها وبملاحظة التسلسل الزمني لهذا النمط الدرامي تجد أنها تصور المرأة المثالية هي التي ترتدي الحجاب الكامل من عباءة وملاية (البوشية) ، ولم تتعرض لما يُشعر بأن ذلك فيه تقييد للحرية ، ولكن في السنوات الأخيرة بدءت تسري بإتجاه آخر .
- وإليك نموذج يختصر الطريق : مسلسل باب الحارة ذي الجمهور الكبير من المتابعين ، والذي يُعرض هذا العام (١٤٣٨) بجزئه التاسع ، فإنه : 
1. في الجزء الرابع قدم لجمهوره مشهداً يظهر فيه (أبو حاتم) وهو صاحب المقهى في الحارة وهو (يُفتي) لإبنته بفتوى مفادها (جواز الكشف عن الوجه أثناء العمل) بعد أن تقرر أن تكون معاونة لطبيب الحارة (الحكيم حمزة) قبل أن يتقدم لخطبتها . فما هو المبرر لكشف الوجه أمام الأجنبي إذا كان بالإمكان العمل من دون الكشف أمامه ؟ وما فائدة هذا المشهد أصلاً ؟ ولماذا إثارة هذه القضية ؟!
2. في الجزء السادس يبين شيخ الحارة (الشيخ عبد العليم) بأن البوشية لا أساس لها في التشريع بل هي قضية أفرزتها عادات مجتمعية ليس إلا ؟!! كيف ذلك ياشيخ ؟! والإسلام يحكم بوجوب ستر الوجه إذا كان مثيراً للناظر ؟ لماذا لم يبين شيخ الحارة فكرته بصياغة أخرى كأن يقول : إن البوشية ليست أمراً إلزامياً للمرأة إذا كان شكلها لا يُوقع الناظر في النظرة المحرمة ؟! لا أنه يتبرأ منها من رأس .
3. في الجزء السادس والسابع والثامن وحتى التاسع كما يبدو بدأت تدريجياً مظاهر خروج النساء إلى الشوارع كاشفات الشعور ، ولم يكتفوا بذلك لنقول : إن تلك النساء بعضهن من حارة اليهود ، وأخريات من مناطق كالشعلان مثلاً ممن لا يرتدين الحجاب ، بل عمدوا لإدخال محامية في الجزء الثامن بدأت تأثر على بنات الحارة ، فنجد في الحلقات الأخيرة (دلال) وهي بنت أبو عصام الحكيم المظلومة من قبل زوجها الذي يحمل فكراً سلفياً مع بنت أخرى تدخل الحارة بعد الرجوع من المظاهرة وهي تخلع (البوشية) ، مقتنعة بفكرة المحامية وأن الحجاب يقيد مسيرتها النضالية ؟!! والأفضع أن أبو عصام والدها وافق على ذلك ومنع إخوتها من معارضتها ؟! وتشير الإعلانات أنها ستخلع البوشية بل حتى العباءة حسب الظاهر في الجزء التاسع .
4. في الأجزاء الأخيرة نلاحظ بروز ظاهرة كشف نساء الحارة عن وجوههن أمام جموع الرجال عندما يكون الموقف موقفاً حازماً ، كما في بعض مواقف مواجهة الإحتلال مثلاً أو ما شاكل ذلك ، مع أنك تلاحظ عدم حاجة الموقف للكشف أصلاً ، فهي كلمة تخرج سواء كان أمامها قطعة قماش أم لا ؟! كيف يغفلون وبقربهم سيدة المخدرات العقيلة زينب عليها السلام ، والتي ما كشفت عن وجهها عندما ألقت خطبها في مواضع عديدة بين جموع الرجال ؟! هل شريعة محمد صلى الله عليه وآله تختص بحفيدته زينب وأمها الزهراء عليها السلام من قبلها عندما خطبت في المسجد ، ولم تكتف بستر نفسها بل وقفت خلف حاجز وخطبت في الناس .
- هذه النماذج وغيرها في مسلسلٍ بثقل (مسلسل باب الحارة) بعد سنوات من بناء أجيال من المتابعين ، من شأنها أن تشوش صورة الحجاب في أذهان النشأ الجديد الذي جنى عليه الأهل ، فتركوه يتربى في أحضان المسلسلات ، وشاشات الآيباد والجوالات !! فمن المسؤول عن زعزعة العفة في مجتمعاتنا ؟! وكيف سيكون طعم الحياة إن تبرجت المرأة لزوجها ولكل الرجال في الشارع ومحل العمل والدراسة ؟! كيف نحد من ظاهر الطلاق والمشاكل الأسرية في ظل هذا التحلل ؟!
- لا شك عندي أنه يجب على كل أب وأم أن يثقفوا أبناءهم في أقرب فرصة على ماهو الصحيح ؟ ولا يتركوهم يشاهدون المسلسل وهم لا يعرفون تلك الأبجديات ؟! أخبروهم أن العباءة لم تكن يوماً حائلاً دون أن تترك المرأة بصمتها في المجتمع ، وإلا لما خلّد التأريخ فاطمة الزهراء وأبنتها زينب وباقي سيدات البيت العلوي عليهن السلام .
- ختاماً ، أدعو إلى وقفة قوية في شهر رمضان من الجميع ، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ، وكل الأمل بسادتنا ومشايخنا من الخطباء وأهل الفضل ، الذين تربينا تحت منابرهم ، أن يبينوا للناس حقيقة الحجاب ، ولا تقتصر المسؤولية عليهم ، بل الدور الأكبر على الأهل ، فكيف سيجيب الله تعالى يوم القيامة من ترك أبناءه بين فكيّ التلفاز ، ولم ينقذه من مخاطره الفكرية .
- وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وآله الطيبين الطاهرين .
 
  12 / ذو القعدة / 1445  |  2024 / 05 / 20        الزيارات : 4540358        صلاة الصبح |        صلاة الظهر والعصر |        صلاة المغرب والعشاء |